Views: 1
حسين علي الهنداوي
الشاعر والناقد الأستاذ حسين علي الهنداوي: شاعر الحياة، وصوت الجنوب، وحارس الكلمة في زمن العتمة
… ………… …… ….
من درعا إلى دمشق، ومن دفاتر الطفولة إلى موسوعات الفكر، سيرة شاعر نسج من الكلمات وطنًا لا يُقهر أعانه على هذا الابداع زوجة صبورة تقف وراء وتدفعة إلى قمة للأدب والفكر.
المقدمة: حين يتنفس القلب شعرًا
في كل زمن يولد شاعر، لكن قلّة قليلة فقط يُولدون كأنهم الشعر ذاته.
هؤلاء لا يأتون إلى العالم ليمرّوا فيه، بل ليتركوا أثرًا، صدى، معنىً طويلًا… لا يُمحى.
هكذا ولد حسين علي الهنداوي. لا كتاريخ ميلاد فحسب، بل كاحتفال أبدي بالكلمة.
ولد عام 1955 في درعا، المدينة التي تحرس أطرافها أشجار الزيتون، وتنام في قلبها القصائد. لكن ولادته لم تكن بداية حياته، بل كانت بداية لسؤال عميق:
هل يكتفي الشاعر أن يعيش؟ أم عليه أن يخلُق نفسه من جديد في كل حرف، ويزرع روحه في سطرٍ لا ينتهي؟
لم يكن حسين ابن درعا وحدها، بل ابن كل مدينة قرأت كتابًا، أو أنشدت شعرًا، أو رفعت رأسها في زمن الانكسار.
لم يكن يلهو كالأطفال فقط، بل يصغي للريح، ويخزّن الصور، ويتأمل وجوه الناس، كما لو أنه يحضّر دفترًا لكتابة الحياة يومًا ما.
تدرج في مدارسها الأولى:
من مدرسة اليرموك في درعا البلد إلى الإعدادية، ثم إلى ثانوية الفالوجي، حيث تخرج عام 1974، حاملاً في قلبه أكثر من شهادة، شهادة الحبر، والهوية، والانتماء.
ثم ارتحل إلى دمشق… لكنه لم يذهب إليها فقط ليتعلم، بل ليدوّن فصلاً جديدًا من صراعه مع اللغة، مع الجمال، مع ذاته، مع زمنه. فدرس في كلية الآداب، قسم اللغة العربية، بجامعة دمشق، وتخرج عام 1980 شاعرًا أكثر من كونه طالبًا، ومفكرًا أكثر من كونه خريجًا.
بين المعنى والدور: حسين… الذي لا يصمت قلمه
حين تمشي في دروب الإبداع، ستجده هناك: لا يلهث خلف الشهرة، بل يخلقها. لا يزاحم في الصفوف، بل يصنع المنابر.
هو الشاعر الذي لا يخون الكلمة، والناقد الذي لا يساوم على الجمال، والمفكر الذي لا يخشى أن يصطدم بالحقيقة.
المسيرة الأدبية والفكرية: من الحرف إلى الموقف
لم يكن حسين الهنداوي مجرد شاعر، بل كان كتيبة فكرية تمشي على قدمين.
كتب الشعر والقصة والمسرح، واشتغل بالنقد، وخاض في الدراسات الدينية والفكرية، وكأنه يكتب وجوه العالم من زوايا متعددة.
الإبداع لا يشيخ: رجلٌ تشظّى على أوراق متعددة
في مسيرته، كتب في كل شيء، لكن بلغته هو. كان الشعر دمه، والمسرح أنفاسه، والقصة ذاكرته، والنقد صراخه، والفكر حكمته.
أولًا – الشعر:
كان الصوت الذي لا يهدأ، حتى في سكون الليل:
“هنا كان صوتي وعيناك يلتقيان” – لقاء العينين ليس عاطفة بل انتماء.
“هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير؟” – تساؤل يحفر في الأسطورة.
“أغنيات على أطلال الزمن المقهور” – نواحٌ على زمانٍ لم يكن لنا.
“المنشأ يسلم مفاتيح إيلياء” – من القدس تبدأ الحكاية ولا تنتهي.
“سأغسل روحي بنفط الخليج” – عنوانٌ ساخر في زمن البترو-هويات.
“هذه الشام لا تقولي كفانا” – لأن الوجع لا نهاية له.
“القدس ليست فاصلة” – بل هي الجملة كلها.
“مراثي إرميا الخوراني” – أنين نبيٍّ في زمن التيه.
“مزامير داود الأذرعي” – مزمور المقاومة لا العبادة فقط.
ثانيًا – القصة القصيرة:
شجرة التوت: حيث تبدأ الطفولة وتُسرق البراءة.
زنكه: عويل الطبقات المسحوقة في زقاقٍ عربيٍّ ضيّق.
ثالثًا – المسرح:
محاكمة طيار: المحكمة التي لا تكون عادلة دائمًا.
درس في اللغة العربية: حيث اللغة تصير قضية.
عودة المتنبي: كأن المتنبي ما غاب، بل تنكّر.
أمام المؤسسة الاستهلاكية: الكوميديا السوداء لأمم تبيع حاجاتها تحت أعين الجوع.
رابعًا – النقد الأدبي:
محاور الدراسة الأدبية – بوصلة الباحثين في دهاليز المعنى.
في النقد والأدب – نظرات فاحصة في زجاج الكلمات.
مقدمتان لنظرية الأدب – مشروع تنظير لا يهادن.
أسلمة النقد والأدب – حين يصير الدين نهجًا للتفكيك والتحليل.
خامسًا – الدراسات الفكرية:
الإسلام منهج وخلاص – رسالة تحريرية للروح قبل العقل.
هل أنجز الله وعده؟! – سؤال مصيري يتحدى التلقين.
فتاوى واجتهادات (تبويب وترتيب) – اجتهاد عقل يُجيد التصنيف لا النقل.
موسوعة الخطابة العربية – كيف يصبح الصوت فعلًا.
موسوعة الدعاء (ادعوني أستجب لكم) – تراث الرجاء في زمن القنوط.
مناصبه وجهوده الثقافية:
رئيس تحرير مجلة الأدباء: منبر للكتّاب، وملاذ للكلمة الصادقة.
مدير مجموعة أدباء نجباء الإلكترونية، التي جمعت الموهبة من أرجاء الوطن العربي.
محاضر في كلية التربية – جامعة دمشق / درعا، حيث علّم أجيالًا أن الإبداع لا يُلقّن، بل يُعاش.
وعضو فعال في:
اتحاد الصحفيين العرب
تجمع القصة السورية
النادي الأدبي بتبوك
رابطة كتاب الإنترنت
هو الشاعر الذي لا ينام عن قضاياه، والمثقف الذي يعرف أن الحرف موقف، لا مجرد إيقاع.
حياته العائلية: حين تُصبح الأسرة قصيدة
وراء كل شاعرٍ بيت، ووراء كل قصيدة دفءٌ إنساني لا يُنسى.
الشاعر حسين متزوج، وله ستة أولاد، هم مرآة روحه، وفروع شجرة لا تتوقف
كان منزله أبعد من بيت. كان قصيدة حُب ممتدة على هيئة عائلة، حيث ينبت الأبناء كالأشجار، لكلٍّ منهم ظلّه وصوته:
بلقيس، كأنها فصل من مملكة سبأ، معهدٌ تجاري في الجذور، وزهرٌ مثمر في الفروع، أمٌ لأربعة أرواح تشبهها.
غيد، حارس النفوس ومهندس الداخل، مرشد نفسي لأربعة أولاد يرثون عنه السكينة.
فرات، باسم نهرٍ عتيق، تحمل الحكمة في قلبها والدفء في عينيها، لها ثلاثة أبناء هم ضوء عتمتها.
عليا، ذات الاسم العالي، دبلوم علم اجتماع، تتجه نحو ألمانيا كما تتجه القصيدة نحو النور.
مؤيد، رجل عمل، يعرف كيف يُقيم ذاته من العزيمة والخيال.
إياد، الطالب في اقتصاد دمشق، يُعدّ نفسه ليقرأ العالم كما يقرأ والده القصيدة.
ستة أبناء… كلٌّ منهم سطرٌ في ديوان حياته، وكلٌّ منهم امتدادٌ لفكره، وأفقٌ لقصائده التي لم تُكتب بعد.
هذا البيت ليس عاديًا، بل أسرة صنعتها الحكمة، ونمّاها الأدب، وظللتها القيم.
الخاتمة: حين يصبح الإنسان مرجعًا، والشاعر ذاكرة وطن
لن تنتهي قصة حسين علي الهنداوي، لأنها ليست قصة فرد، بل سيرة أمة تمشي على قدمين، وتسكن في بيت، وتكتب في دفتر.
هو الشاعر الذي ما سكت، والمفكر الذي ما انحنى، والوالد الذي جعل من أسرته غابة محبة، ومن بيته مدرسة معاني.
في عالمٍ يتآكل فيه الجوهر لصالح الواجهة، يقف الهنداوي ثابتًا، لا كمجرد أديب، بل كقضية لها أجنحة، تكتب، وتنتقد، وتُحاور، وتُربي، وتُحب.
وإن سألنا:
هل انتهى زمن الكبار؟
سنجيب:
ما دام في الأرض من يشبه حسين الهنداوي، فإن الكلمة بخير، والكرامة بخير، والقصيدة لم تُقتل .