Views: 23
كحلون …مغنّاة وجدانية لسعدالله بركات
*بقلم شروق لطيف
ليست في عين الكاتب مجرد هضبة جرداء ،بل هي جنة مطمورة في أعماق القلب، وواحة خضراء في مروج الذاكرة. فهي الطلّة التي كانت تصافحهم صغارًا في طريقهم إلى الحصاد، وهي العناقيد النضرة التي كان يقطفها خيالهم قبل أن تمتد إليها الأيدي. وما زادها بهاءً أغنية فيروز عن ،،كحلون ،، . ولو نظرتَ إلى الهضبة لرأيتها قاحلة خاوية، ولكنك إن فتحت قلبك كما في نص سعدالله لوجدتها غضةً طرية، يظلّلها حنين السنين ودموع الذكريات. ولقد كاد الجيل أن ينساها لولا أن أبناءها أعادوها للحياة، فسمّوا باسمها فرقة فنية وشيّدوا على صدرها مسبحًا، كأنهم أرادوا أن يعلنوا للعالم أنّ الرموز لا تموت، وأن الأرض، وإن قست، فإنها تحتفظ بجمالها في أفئدة من أحبوها. وهكذا تغدو كحلون عند الكاتب مرآةً للروح؛ فيها يلتقي الماضي بالحاضر، وتتمازج دموع الغربة بابتسامات الأمل، فلا يبقى منها سوى رمز خالد يبرق في سماء الذاكرة .
وأعتمد الكاتب سعدالله بركات في نصه عن كحلون أسلوبًا وجدانيًا حالمًا، يقوم على المزج بين الحنين والذاكرة من جهة، وبين تصوير المكان بلغة شعرية من جهة أخرى. لم يتعامل مع كحلون كهضبة جغرافية فحسب، بل رفعها إلى مرتبة الرمز؛ رمز الطفولة والبراءة، ورمز الانتماء إلى الأرض التي، وإن قحطت في الواقع، بقيت في القلب نضرة لا يذبل خضارها.
أسلوبه يتسم بالتكرار الإيقاعي لاسم كحلون، وهو تكرار مقصود يضفي على النص نغمة موسيقية تجذب القارئ وتجعله يعيش وقع الاسم كما لو كان لازمة في قصيدة مغنّاة. كذلك نلحظ اعتماده على الصور البلاغية التي تحوّل المكان إلى كائن حيّ: كحلون ياطلة لبساتين، كحلون يا جبلا من ذاكرة وذكريات، وهي استعارات تشخصن الأرض وتجعلها شريكة في العاطفة الإنسانية.
كما يزاوج الكاتب بين الماضي والحاضر: فيستحضر أيام الطفولة والمشي في الطرقات الوعرة، ثم ينتقل إلى صوت فيروز الذي يخلّد المكان في الذاكرة الجمعية، وأخيرًا يشير إلى مبادرات الشباب المعاصرة التي تعيد إحياء الاسم. هذا الانتقال يعكس أسلوبًا تصاعديًا يبدأ بالذكريات الشخصية، بمفهومها الجمعي، ثم يصل إلى البعد الرمزي الذي يتجاوز الزمان والمكان.
إذن، الكاتب عبّر عن موضوعه بلغة عاطفية رقيقة، تفيض بالصور الشعرية، وتستند إلى التكرار الموسيقي والحنين الجمعي، فجعل من كحلون أيقونة وجدانية تحيا في النفوس أكثر مما تحيا في الطبيعة
.*أديبة مصرية
وهاكم رابط النص