Views: 2
#الأنثى #والفضاء #الشعري: قراءة فلسفية وتجريدية في نص (أُنثى الأرضِ والقصيدة) للشاعر السوري القدير توفيق أحمد
#النص:
أُنثى الأرضِ والقصيدة
للشّاعر توفيق أحمد
كلُّ البراري مُوحِشةٌ من دونِها
قاسيةٌ كُلُّ دروبِ الحياةِ لولاها
تُباغِتُنا بنشوةِ هُبوبِها العاصِفِ في كلِّ الأوقات
هي أنثى الشَّهْدِ والقصيدةِ
هي سُلطانةُ الوجود
هي كلُّ الغَمامِ الذي يَهطل على اليابس من المساحات
تعاريجُ جبهتها ويديها مساراتٌ للشرف بمعانيه العليا
مُحيّاها أعمقُ من منابع النور والطُّهر
وهي تبدو دائماً كبدءِ الكينونةِ
ولذّةِ الدفء في زمهرير الأيّام
هي أُنثى الحجر والضِّلَعُ النَّازِفُ صباباتٍ إلى الأبد
تَنْسَلُّ كالآياتِ في جنون نزيف الغناء المُوجع
تسطو عَلَيَّ الكوارثُ بطغيانِها.. فتُذيبُها
كُلَّما أَحْرَقَتْني الحياةُ ـــ وهي تُحْرِقني دائماً ـــ
أَتَلذَّذُ بتهشيم قيمها ومقاماتها في روحي
أُعيدُ صياغتَها وتشكيلَها وفْق جنوني المشاكس
ثَمَّةَ أنثى؛ الغيبُ الخفيُّ والخيال
أنثى الذاكرة المُطْلَقة في فضاءاتها.. البعيدةِ والقصيَّةِ
المختلفةِ تماماً عن مواصفات كائناتِ الحياة
تلك التي تتلَبَّسُنا ملائكَ في الغياب والحضور
هل هو عِنادُ الرغبةِ
بأَنْ يُصبحَ جنونَ القصيدةِ..
وجامحَ نبضِها فوق طقوس الكينونةِ؟..
العنادُ الذي يرفُضُ بقوَّةٍ الاندفاعَ الذاتيَّ المتوهِّجَ
في ذاتٍ تَرْفُضُ صَيرورةَ الروتين وبَلاهةَ الأشياء
وتَصْعَدُ في معراجِ نشوتِها الجامحةِ
فوق حدود الكون والمعقول
ثُمَّ تَظَلُّ عالقةً هناك في نشوتِها الجامحة
إلى أَنْ تُطِلَّ في عُروجِها على ملكوتِ الأعالي
تَقْتَبِسُ من تلك الماورائيات الخفيَّةِ والغائبة
هو الشاعرُ؛ وهي الأنثى؛ الأرضُ؛ القصيدةُ..
ثُلاثيٌّ مُوجِعٌ مُبْهِرٌ
تقفُ اللَّحَظاتُ مندهِشةً مِنَ عذوبتها الخارقة
هو كائنُ الأعالي
يُحيلُها في تَمَرُّدِ وجدانِهِ وخيالِهِ إلى أصواتٍ
تعلو بالآخرين؛ ليصبحوا مريديها وعاشقيها..
هو المُبْدعُ؛ مَنْ يُغيِّرُ مجرياتِ الحياة؛
ومَنْطِقَ الكائناتِ؛ بما وكما يراه؟..
صُوَرٌ من فَلْسَفاتِ الغيبِ والذُّرا العاليةِ،
أُنثايَ التي صُغْتُها بشراسةِ ريشتي..
وتدفُّقِ مشاعري الدافئةِ الحانيةِ
هي ذاتُها التي أذروها الآنَ على بيادرِ المتاه
أَستنطقُ لذائذَها في آخر الليل..
وأعودُ لاكتشافِها في أوائل النهار..
أنتِ يا مَنْ تَنْشَقُّ عنكِ حكاياتُ الوقْتِ
فتنهمرُ في ضلوعِ عاشقيها..
كما يَنْهَمِرُ غمامُ الفَجْرِ
على الهضابِ المتاخِمةِ لمساكن الروح
لأجلِكِ أسْتَمْطِرُ سحاباتِ الغياب..
وكأسيَ المُــتْرَعَةَ بِلَذَّةِ الإثْمِ والعطش
#المدخل #النقدي
تأتي هذه الدراسة في إطار النقد الفلسفي والتجريدي للقصيدة الحديثة محاولة تقديم قراءة منهجية متكاملة لنص الشاعر توفيق أحمد (أُنثى الأرضِ والقصيدة) تعتمد هذه القراءة على فهم النص كمجال للتجربة الوجودية والفلسفية أبعد ماتكون عن مجرد خطاب شعري بحيث تصبح كل صورة وكل رمز وكل تكرار شعوري جزءاً من بنية معرفية متكاملة تسمح بفهم النص على مستويات متعددة
يتمثل المنهج هنا في التأمل العميق للرموز والصور دراسة البنية النصية والانسياب اللغوي وربط كل دلالة بالفضاء الوجودي للشاعر فالقصيدة إذاً لن تكون وسيلة للتعبير الشعوري لكننا نعتمدها إطار معرفي مفتوح يسمح للشاعر والمتلقي على حد سواء باستكشاف الأبعاد الغيبية والوجدانية للأنثى والقصيدة
فالدراسة تعتمد على التفاعل بين الذات الإبداعية والنص حيث لاتكون فيها اللغة كأداة إنما كينونة حية قادرة على توليد المعنى والدهشة في الوقت ذاته
إذ يتبدل كل فعل شعوري إلى تجربة معرفية شاملة تعيد ترتيب العلاقة بين الواقع والخيال ومن هذا المنطلق تصبح هذه الدراسة قراءة فلسفية وتجريدية تسعى إلى كشف البنية العميقة للنص وتحليل الأبعاد الرمزية والفلسفية والتجريبية للقصيدة بما يجعلنا كمتلقين جزءاً من الفضاء الشعري المعقد الذي يصنعه الشاعر
أما #العنوان #وأهميته ودلالاته
فعنوان النص (أُنثى الأرضِ والقصيدة) يمثل مدخلاً مركزياً لفهم النص فهو أعمق من تسمية جمالية لكننا يمكن أن ندرجه حداثياً كإعلان شعري وفلسفي عن مركزية الكائن الأنثوي في النص وبنية المعنى
والعنوان يحمل دلالات متعددة ومتداخلة إذ يمثل الأنثى كمحور وجودي والأرض كرمز للواقع الموضوعي والقصيدة كفعل لغوي وإبداعي يخلق معنى الحياة والدهشة معاً
#يمكن قراءة العنوان على مستويات عدة: #أولاً
الأنثى كدلالة للخلق والتجدد والدهشة فهي القوة التي تمنح اللغة القدرة على توليد المعنى وتجعل كل حدث شعوري أو معرفي محتملاً ومفتوحاً على التأويل فتصبح الأنثى جوهراً كونياً لا يقتصر وجوده على التجربة البشرية بل يمتد إلى فضاء الشعر ذاته ويصنع علاقة بين الحسي والفلسفي وأيضاً بين الشعرية والوجودية
#ثانياً الأرض والقصيدة ككيانين مترابطين الأرض ترمز للواقع للطبيعة وللوجود الملموس بينما القصيدة تمثل الفعل الإبداعي اللغة والتجربة الرمزية بحيث يتحقق تلاقي بين الواقع والمعنى ويصبح النص رحلة معرفية مستمرة بين ما هو محسوس وما هو متخيل وفلسفي
#ثالثاً العنوان يوجه القارئ نحو قراءة متعددة المستويات فهو يحث على التأمل الفلسفي والوجداني والرمزي في الوقت ذاته ويضع الأنثى والقصيدة كمفتاح لفك رموز النص وفهم بنية الصور والتصاعد الرمزي فيه ويجعل العنوان بمثابة بوصلة للغوص في المعاني العميقة للنص دون فقدان التوازن بين التجربة الشعورية والتجريد الفلسفي
وبهذا تصبح العنونة مدخلاً أساسياً للقراءة النقدية حيث تحدد الإطار العام للتأمل وتضع المتلقي في موقع التفاعل مع النص بحيث يبدأ النص كفضاء فلسفي وتجريبي متكامل
يُنتج معنى متجدداً عبر تفاعل المتلقي مع الرموز والصور واللغة نفسها
#فالقصيدة منذ مطلعها تأخذ القارئ إلى البراري الخالية والدروب القاسية وهي مدخل رمزي لإظهار أثر غياب الأنثى في تجربة الحياة واللغة
كما يقول الشاعر: (كلُّ البراري مُوحِشةٌ من دونِها، قاسيةٌ كُلُّ دروبِ الحياةِ لولاها) هذه الصورة لانراها كتوصيف شعوري فقط إنما إلى جانب ذلك هي تأمل وجودي يضعنا في مواجهة الفراغ الداخلي والغياب العاطفي والوجداني ويبرز دور الأنثى والقصيدة كقوة حياتية تعيد للغة والوجود القدرة على التجدد
فالقصيدة كما نراها تتطور عبر شبكة من الصور الرمزية المتشابكة تشمل /السلطنة /الضلّع النازف الحجر/ الذاكرة /والخيال/ وتكشف عن القدرة على تحويل الألم إلى نشوة وأيضاً ذاك الخواء إلى معنى واللغة إلى ماهية نابضة تخلق الدهشة والفهم
فالرموز المتكررة مثل (هي أُنثى الحجر والضِّلَعُ النَّازِفُ صباباتٍ إلى الأبد) فإنها تشير إلى التوتر بين الثبات والانكسار وإلى الجسد والروح ومعهما أيضاً الألم واللذة والتجربة الشعرية كرحلة معرفية متصلة
ونرى الشاعر أيضاً يعرض علاقة الذات بالنص والوجود فيقول هنا : (هو الشاعرُ؛ وهي الأنثى؛ الأرضُ؛ القصيدةُ.. ثُلاثيٌّ مُوجِعٌ مُبْهِرٌ) هذا التداخل يوضح أن النص ابتعد عن كونه خطاب شعري إنما أحاله الناص باقتدار لغوي حسي إلى تجربة معرفية وجودية لتجسيد اللغة كي تصبح وسيلة لإثارة الدهشة والتأمل الفلسفي في الوقت ذاته ويصبح القارئ شاهداً ومشاركاً في صناعة المعنى الشعري والفلسفي للنص
أما عن اللغة في السياقية النصية فهي متفردة تجمع بين الرقة والقوة
وأيضاً فيها التجريدية والحسية وبصور شعرية تعمل كجسور بين الحواس والفلسفة كما في: (تنسلُّ كالآياتِ في جنون نزيف الغناء المُوجع) هذه الصورة تكشف عن التشابك بين النشوة الموسيقية والتجربة الوجدانية وتحول اللغة إلى كينونتها التي تثير التوتر والدهشة وتخلق فضاء شعورياً وفلسفياً متكاملاً
وحين نتمعن القصيدة نجدها تتسم أيضاً بـ بنية انسيابية مفتوحة تسمح بالانتقال السلس بين الفقرات والمستويات الرمزية مع استخدام الفواصل الطويلة (ـــ) لتوليد توترات إيقاعية تجعل القارئ يعيش اللحظة الشعرية بكل حواسه
وإن التصاعدية التصويرية من الفراغ والقسوة إلى النشوة والسلطنة والعاصفة الرمزية وصولاً إلى الفضاءات الغيبية تخلق رحلة معرفية وجدانية متكاملة تتصاعد فيها الدلالات الرمزية والفلسفية ويصبح النص تجربة شعرية موسيقية وفلسفية في الوقت ذاته
ونلمس أيضاً ذاك البعد الوجودي للذاكرة والخيال حيث يقول الشاعر: (أنثى الذاكرة المُطْلقة في فضاءاتها.. البعيدةِ والقصيَّةِ المختلفة تماماً عن مواصفات كائناتِ الحياة) إذ تصبح الأنثى هنا رمزاً للقدرة على التجدد المعرفي وإعادة اكتشاف المعنى والوجود وفتح النص على فضاء معرفي متصل بالزمن والتجربة والوعي لنندمج في مسار استكشاف مفتوح ومعقد للمعنى الرمزي والوجودي للنص
إن قصيدة ( أُنثى الأرضِ والقصيدة) تمثل تجربة شعرية تجمع بين الرمزية والفلسفة والتجربة الوجدانية واللغة المفتوحة فتحيلنا لفضاء متسع للدهشة والتأمل المستمر
أ. توفيق أحمد يحافظ على توازن دقيق بين الانفعال الفكري والانضباط الفني بين الرمزية والتجربة الحسية وأيضاً بين التمرد والالتزام البنيوي ليعيد تعريف العلاقة بين الإنسان واللغة والوجود فلغة الشاعر متمكنة حيث أنها تجمع بين التجريد والحس والفكر والوجد إضافة إلى التشابك بين المعنى والصورة لتؤكد قدرته على تحويل كل تجربة شعورية إلى فعل معرفي وجمالي متكامل مما يجعل النص تجربة شعرية فلسفية ومعرفية متميزة وتضع الشاعر في مصاف أبرز الشعراء المعاصرين الذين يجددون الشعر ويعيدون تعريفه كأفق للدهشة والمعرفة بحيث تصبح كل قراءة للنص تجربة معرفية متصلة ومفتوحة وقادرة على إحداث أثر وجداني وفلسفي مستمر في ذهننا
لا يسعنا إلا أن نثني على لغة أ. توفيق أحمد الغنية بالصور والمعانقات الرمزية التي تنسج المعنى من أعماق التجربة الوجودية وتفتح للنص آفاقاً لا متناهية من الدهشة والفلسفة
لغة تتحدث بوعي الروح وحيوية الخيال متفردة في الجمع بين الرقة والقوة بتجريدية حسية وفكرية لها وجدها وعمقها
أبدعت أيها القدير
مرشدة جاويش