Views: 19
في ذكرى السابع الميمون
الدكتور صلاح جرّار
من أهمّ أهداف الكيان الصهيوني، وربّما أهمّ الأهداف، من عدوانه الوحشيّ المسعور على قطاع غزّة وتوسيعه لهذا العدوان كي يشمل الضفّة الغربيّة ولبنان وسوريا والعراق واليمن وإيران وغيرها، هو أن يمحو من ذاكرتنا الانتصار النوعيّ المجيد الذي حقّقته المقاومة الفلسطينية في عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) سنة 2023. وليس من باب المصادفة أن يحدّد الصهاينة وراعيهم الأمريكي دونالد ترمب يوم السابع من أكتوبر الحالي 2025، أي بعد عامين كاملين من بدء حملات الإجرام والإبادة في غزّة، موعداً للتفاوض على وقف العدوان، وهو تاريخ يحاول فيه المجرمون الصهاينة ورعاتهم الأمريكان أن يسمّوه انتصاراً على الفلسطينيين في مقابل انتصار المقاومة على الصهاينة قبل سنتين، وإنّها محاولة لما يسمّى كيّ الوعي الفلسطيني والعربي مقابل ترميم الوعي في الجانب الصهيوني.
لكنّ ما يحاول هؤلاء المجرمون إنكاره، وهم مقتنعون به في قرارة أنفسهم، هو أنّ عملية طوفان الأقصى هي إنجاز عسكري فلسطينيّ نوعيّ مميّز ولا سابقة له عبر التاريخ، وأنّه مؤشّر على قدرة المقاومة الفلسطينية والعربية على اجتراح وسائل وأساليب وخطط بارعة وباهرةٍ لمواجهة العدوّ المحتلّ وإيقاع الضرر البالغ به وهزيمته.
ولمـــّا كان هؤلاء الصهاينة المحتلّون ومن ورائهم الولايات المتحدة بأساطيلها وأسلحتها وصواريخها وطيرانها وبوارجها يدركون قدرة المقاومة آجلاً أو عاجلاً على هزيمة المحتلّين ودحرهم، فقد حاولوا بأقصى ما لديهم من الطاقة وبكلّ ما يملكونه من أسلحة التدمير والقتل، أن يقتلعوا أسباب الخطر من جذوره، فأخطأوا كثيراً في تشخيص مصدر الخطر، كما أخطأوا أكثر في الطريقة التي لجأوا إليها لإزالة الخطر.
لقد وهموا وأخطأوا كثيراً عندما ظنوا أنّ مصدر الخطر الذي يتربص بهم هو قطاع غزّة أو هذا التنظيم أو ذاك، أو هذا المسجد أو ذاك، أو هذه الخيمة أو تلك، أو هذه الجامعة أو تلك، أو هذا القائد أو ذاك، فقاموا بملاحقة التنظيم ومطاردة أفراده وتعدّوا ذلك إلى حاضنته الشعبية فدّمروا المدارس والجامعات والمساجد والمستشفيات وقتلوا النساء والأطفال والشيوخ والأطباء، وقاموا بعمليات اغتيال لقادة المقاومة، ثم لجأوا إلى التجويع والتعطيش والحرمان من الأدوية والعلاجات وغير ذلك مما يفوق كلّ تصوّر في الوحشيّة والهمجيّة والجنون، وأقصى من يطلبونه الآن هو أن لا تحكم المقاومة غزّة، وأنّ يجرّد القطاع من السلاح!!
ويبقى السؤال: هل تجريد غزّة والمقاومة من سلاحها وانتهاء حكم المقاومة في غزّة ينهي المخاوف الصهيونية من وقوع هجمات فدائية في المستقبل ضدّ الاحتلال؟ أو هل يمكن يحقّق ذلك الأمن لهذا الكيان الغاصب؟ وهل يُنْسي ذلك الأجيال القادمة حقّها في الثأر من الاحتلال على جرائمه التي لم يسبق لها مثيل؟ أو يمكن أن يضع حدّاً للحلم الفلسطيني بالعودة إلى أرض فلسطين وتحريرها من الغزاة؟ أو أن ينزع مكانة القدس الشريف والحرم الإبراهيمي الشريف من نفوس العرب والمسلمين؟
إنّ جميع ما ارتكبه الكيان الصهيوني من جرائم القتل والتدمير والإبادة والاعتداء على الدول العربيّة والإسلامية سوف يبقى ماثلاً في الذاكرة العربيّة والإسلامية والفلسطينية، وذاكرة الأجيال القادمة، التي لن تغفر للاحتلال الصهيوني جرائمه مهما طال الزمن.
كما أن عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول سنة 2023، سوف تظلّ ملهمة للمقاومة في كلّ زمان ومكان، وأنّ البطولات النادرة التي أظهرتها المقاومة في تصدّيها للقوّات الإسرائيلية سوف تظلّ نموذجاً لكل عمل مقاوم، وأنّ إرادة التحرير والإيمان يالحق ستبقى هي الدافع إلى تحقيق الآمال بالنصر والتحرّر، وأن دماء الشهداء وبطولاتهم ستبقى هي المشعل لكسر شوكة الاحتلال ودحره بعون الله تعالى.
وسوف تبقى ذكرى السابع الميمون من تشرين الأوّل من أهمّ مفاصل التاريخ الفلسطيني وأهمّ ذكريات النضال الفلسطيني وأكثرها إشراقاً في الضمير والوجدان والذاكرة، وكلّ عام والأمّة والمقاومة بألف خير ونصر.
3