Views: 10
غزّة وسلاح المقاومة
الدكتور صلاح جرّار
كلّما سمعت ما يطالب به قادة الكيان الصهيوني وما يتوعّدون به من نزع سلاح المقاومة في غزّة وأن لا تصبح غزّة مصدر تهديد للأمن الصهيوني، تصيبني حالةٌ من الضحك واستخفاف لهذا المطلب لكونه مطلباً يطرح السعي إلى تحقيقه أسئلة لا تحصى، وأوّلها كيف يتحدث الطرف الصهيوني في المفاوضات ومعه الطرف الأمريكي عن إمكانيات عسكرية مادّية لدى المقاومة ربّما لا تعادل واحداً في المليون ممّا لدى الجيش الصهيوني وداعميه الأمريكان والأوروبيين؟ وما هي القدرات العسكرية التي تشكّل في الواقع تهديداً للآخر أسلحة المقاومة المحدودة جدّاً كمّا ونوعاً أم أسلحة الجيش الصهيوني والجيش الأمريكي والجيوش الأوروبية المساندة المتطوّرة جدّاً كمّا ونوعاً؟
والسؤال الثاني هو: ما هي تلك الأسلحة المادّية التي تمتلكها المقاومة في غزّة وتهدّد بها الأمن الصهيوني، وكما قال أحد المعلقين الأمريكان: والأمن الأمريكي؟ هل هي البنادق الفردية والمسدّسات؟ أم العلب المعدنية التي تحشى بمواد متفجرّة مصنوعة محليّاً من تراب الأرض؟ أم بعض القاذفات التي تصنّع من أنابيب قديمة ومن بقايا آليات وقذائف إسرائيلية؟ وإنْ كانت مزاعم الخوف من التهديد للكيان الصهيوني والداعم الأمريكي والغربي حقيقية أفلا يدلّ ذلك على أنّ هذا الكيان هشٌّ وجبان ما زال يرتعد خوفاً من المقاومة رغم كلّ ما يملكه وما استخدمه بالفعل من أحدث أسلحة التدمير والقتل والإبادة؟
والسؤال الآخر هو: من هو الذي سوف يقوم بجمع أسلحة المقاومة؟ وأين يبحث عنها؟ وما هي آلية جمعها؟ ومن هو الذي سوف يقوم بتسليم سلاحه وما هو حجم ما يتوقع جمعه من هذا السلاح الذي جعل منه الصهاينة والأمريكان قضيّة عالميّة كبرى؟ أوليس الذين نجحوا في إخفاء الأسرى الصهاينة وجثث القتلى الصهاينة لمدة سنتين كاملتين وعجزت كلّ قوّات الجيش الصهيوني عن معرفة أماكن الاحتجاز رغم كلّ وسائل التجسس والاستخبارات والرصد والملاحقة والمتابعة أليسوا قادرين على إخفاء أسلحتهم في أماكن لايهتدي إليها (الذباب الأزرق)؟! فكيف إذا كانت هذه الأسلحة هي مسدّسات أو بنادق أو ما شابه ذلك؟
ولنفترض جدلاًً أنّ كلّ من لديه مسدس أو سكّين أو بندقية أو حشوة بارود قرّر أن يسلّمها لمن سيدير قطاع غزّة بعد انتهاء العدوان الصهيوني الإجرامي، فهل سينعم الكيان الصهيوني بالأمن ويضع رجليه ويديه في ماء بارد؟ أجزم أنّ الصهاينة في فلسطين لن ينعموا في يوم من الأيام بالشعور بالأمن حتّى لو لم يبق في غزّة أو في فلسطين كلّها أو في المنطقة العربية كاملة سكّين واحد، لأنّ العبرة ليست في سلاح المقاومة ولا في بنادقها ومسدّساتها وسكاكينها وعبواتها الناسفة وقاذفاتها وصواريخها بل العبرة في رجال المقاومة ونسائها الذين صنعوا ويصنعون المعجزات من المستحيل، والعبرة في الإرادة والعزم والصبر الذي تحلّى بها أهل غزّة رغم الجوع والعطش والحرّ والبرد والمرض والقتل.
ومع ذلك فإنّ التهديد الحقيقي للكيان الصهيوني في فلسطين هو الكيان الصهيوني نفسه الذي يصرّ على استدامة احتلاله وجرائمه ويستعدي الفلسطينيين والعرب والمسلمين وكلّ شعوب الأرض ضدّه ممّا ينبئ بزوال هذا الاحتلال آجلاً أو عاجلاً.
2