Views: 6
أدب المقاومة في القصيدة
«غزة الأحرار» للشاعرة ثناء شلش نموذجا
رؤية نقدية متكاملة(فنية ودلالية)
اعداد د/ اميمة منير جادو
✦ الرؤية النقدية لقصيدة «غَزَّةُ الأحرارِ» للشاعرة ثناء شلش
1. مدخل عام
تحمل القصيدة نَفَسًا وطنيًا وإنسانيًا قويًا.
تأتي قصيدة «غزة الأحرار» في سياق الأدب المقاوم الذي يعبر عن الضمير الجمعي للأمة العربية والإسلامية تجاه المأساة الفلسطينية. النص ينتمي إلى الشعر الوجداني الوطني الذي يزاوج بين النبرة الحماسية والانفعال الديني والإنساني. في القصيدة تتجلى روح الانتماء إلى الأرض والبطولة، كما تتقاطع مع خطاب المقاومة الحديثة الذي يجعل من الدم رمزًا للخلود والنصر.
2. البنية الفنية
أ. الوزن والقافية
نُظمت القصيدة على البحر الكامل، وهو من البحور القوية التي تناسب الانفعال والبطولة، كما استخدمت القافية الممدودة بالألف الممدودة (ـاءُ) التي تمنح النص موسيقى عالية وتمتد دلاليًا في فضاء الأمل والنداء.
مثال: (وَلِجِرْحِ غَزَّةَ فِي المَدَى أَصْدَاءُ / عَصَفَتْ بِها الأَهْوَاءُ وَالْأَنْوَاءُ)
إيقاع القافية هنا يعزز فكرة المدى والاتساع، وكأنّ الجرح يمتد صوتًا وصدى في كل الفضاءات.
ب. اللغة والصورة الشعرية
اللغة تجمع بين السهولة والجزالة، وتنهض على كثافة العاطفة أكثر من التجريب البلاغي. الصور تتركز حول:
الدم/الشهادة كرمز للخلود: «ثَمَرَات دَمٍ سَالَ فَوْقَ تُرَابِهَا»
الأرض/التراب كرمز للأم والوطن: «بَاتُوا يَضُمُّهُمُ ثَرًى وَعرَاءُ»
النصر/النور كرمز للإيمان والإشراق: «قَد كَلَّلَ المَوْلَى الرَّحِيمُ كِفاحَهُمْ / بِالنَّصْرِ.. عَادَتْ بَهْجَةٌ وَسَنَاءُ»
هذه الصور تؤكد وحدة المأساة والمجد في الوجدان الفلسطيني.
ج. التكرار ودلالته
يتكرر نداء «الله أكبر» أربع مرات في مقاطع متوالية، ليصبح بمثابة لازمة إيمانية وروحية. هذا التكرار يُحدث توازنًا بين الألم والانتصار، ويحوّل النص من مجرد مرثية إلى نشيد مقاوم:
«اللَّهُ أَكْبَرُ رَدَّدَتْ أَحْجَارُها / اللَّهُ أَكْبَرُ رَدَّدَ النُّبَلاءُ»
فالأحجار — رمز الانتفاضة — تغدو ناطقة، لتجسّد وحدة الإنسان والطبيعة في لحظة النضال.
3. المستوى الدلالي والرمزي
أ. غزة كرمز
غزة في القصيدة ليست مدينة بعينها، بل رمز للمقاومة والكرامة في كل زمان ومكان. تقول الشاعرة:
«يَا غَزَّة الأَحرارِ يَا نِبراسَنَا»
كلمة نبراسنا ترفع غزة إلى مقام النور الهادي، وهو توظيف رمزي ديني-أخلاقي يُذكّر ببلاغة شعر الحماسة القديمة (كأبي تمام والمتنبي) مع إحساس معاصر بالمعاناة.
ب. التصعيد الديني
يتخذ النص منحى تصوفيًا إيمانيًا في تصوير البطولة على أنها امتداد لإرادة الله:
«قَد كَلَّلَ المَوْلَى الرَّحِيمُ كِفاحَهُمْ»
فتصبح الشهادة طريقًا للسمو الروحي لا مجرد تضحية. هنا تتلاقى ثنائية الأرض/السماء في وحدة وجدانية بين الجهاد الأرضي والرضا الإلهي.
ج. الثنائية الكبرى في النص
القصيدة تقوم على ثنائية:
الخراب / الإعمار
الدم / النصر
الموت / الخلود
وتحسم الشاعرة هذه الثنائيات لصالح الحياة، مؤكدة أن دمار اليوم هو شرط بناء الغد:
«لِيُعمِّرُوا مَا دَمَّرَتْ أَعْدَاؤُنا / وَيَعُودَ لِلوَطَنِ الحَبِيبِ بَهاءُ»
4. البنية الخطابية
القصيدة تُخاطب الأمة، لكنها تستخدم ضمير الجمع «هم» و«نا» لخلق وحدة وجدانية بين الفلسطيني والعربي والمسلم:
«وَرِجَالُها فَخْرُ الرِّجالِ»
«يَا غَزَّة الأَحرارِ يَا نِبراسَنَا»
توظيف الضمائر هنا يذيب المسافة بين الشاعرة والمتلقّي، لتتحول القصيدة إلى خطاب جماعيّ، فيه إحياء لروح الأمة.
5. التحليل الفكري والجمالي
تحمل القصيدة رؤية فلسفية بسيطة وعميقة في الوقت نفسه: أن الألم شرط النور، وأن النصر يولد من رحم المعاناة. كما تمثل نموذجًا على الشعر المقاوم النسوي، إذ تأتي من صوت أنثوي يستعيد مشهد البطولة لا كمتفرّجة، بل كشاهدة ومؤمنة.
في هذا الجانب، تشارك الشاعرة ثناء شلش في تيار الشعر العربي النسوي الذي يوظف الوجدان الإنساني في التعبير عن القضايا القومية.
6. خاتمة
«غزة الأحرار» قصيدة تنتمي إلى مدرسة الشعر العربي الحديث المتشبث بالهوية والمقاومة، وهي تؤكد أن الشعر ما زال قادراً على أداء دوره التوعوي والإيماني في زمن تتزاحم فيه الخطابات السياسية والإعلامية.
تتحول القصيدة في مجملها إلى أنشودة أملٍ وإيمانٍ بالنصر، وتُجسِّد رؤية الشاعرة للعروبة كإيمان حيّ بالحق والحرية، لا مجرد شعار.
المراجع :
درويش، محمود. ذاكرة للنسيان. دار العودة، 1987 — حول رمزية غزة في الشعر المقاوم.
أدونيس. زمن الشعر. دار العودة، 1972 — عن علاقة الشعر بالوعي الجمعي.
عز الدين إسماعيل. الشعر العربي المعاصر: قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية. دار الفكر العربي، 1985 — مرجع لفهم البنية الإيقاعية في شعر المقاومة.
دكتورة أميمة منير جادو
غَزَّةُ الأَحرارِ
وَلِجِرْحِ غَزَّةَ فِي المَدَى أَصْدَاءُ
عَصَفَتْ بِها الأَهْوَاءُ وَالْأَنْوَاءُ
وَرِجَالُها فَخْرُ الرِّجالِ بُطُولَةٌ
بِالصَّبْرِ قَدْ دَانَتْ لَهُمْ أَعْدَاءُ
مَرَّتْ شُهُورٌ قَدَّمُوا أَرْواحَهُمْ
أَطفَالُهم فِي مَهْدِهِمْ شُهَدَاءُ
وَبُيُوتُهم فَوْقَ الرِّمَالِ تَبَعثَرَتْ
بَاتُوا يَضُمُّهُمُ ثَرًى وَعرَاءُ
لَا مَا وَجَدْنَا مَنْ يُداوِي جُرْحَهُمْ
مَا زَالَ عَنْهُمْ شقْوَةٌ وَبَلَاءُ
قَد كَلَّلَ المَوْلَى الرَّحِيمُ كِفاحَهُمْ
بِالنَّصْرِ.. عَادَتْ بَهْجَةٌ وَسَنَاءُ
اللَّهُ أَكْبَرُ رَدَّدَتْ أَحْجَارُها
اللَّهُ أَكْبَرُ رَدَّدَ النُّبَلاءُ
اللَّهُ أَكْبَرُ غَرَّدَتْ أَطيارُها
اللَّهُ أَكْبَرُ قَدْ جَنَى السُّعَدَاءُ
ثَمَرَات دَمٍ سَالَ فَوْقَ تُرَابِها
شُهَداؤُها لِلسَّائِرِينَ أَضَاءُوا
يَا غَزَّة الأَحرارِ يَا نِبراسَنَا
إِنْ رَاحَ ابنٌ قَدْ أَتَتْ أَبْنَاءُ
لِيُعمِّرُوا مَا دَمَّرَتْ أَعْدَاؤُنا
وَيَعُودَ لِلوَطَنِ الحَبِيبِ بَهاءُ
وَلِتَحْذَرُوا.. مَا صانُوا عَهْدَ الأَنْبِيَا
لَا، لَيْسَ فِيهِمْ ذِمَّةٌ وَوَفاءُ
بِيَدٍ تَعِيدُونَ العِمَارَ لأَرْضِكُمْ
وَسِلاحُكُمْ ضِدَّ العدَاةِ وِجَاءُ
ثناء شلش