Views: 4
دولاب أمّي
– ١٠-
…تفوق ومعاناة
*بقلم سعدالله بركات
المرحلة الإعدادية لم تمرّ دون معاناة الفتى ، فالدراسة فيها مأجورة وصرنا اثنين ،أنا وأخي في الثانوية ، وخلالها زادت العائلة طفلة ، ،وأخي الأكبر تزوج ، فيما تداعيات الجفاف تطال مناحي الحياة الأخرى. ودولاب أمي دوار ، يشغلني عز النهار ، بل وحفزني على النزول إلى نول أبي واتقان صناعة البسط منقوشة ولم ابلغ الخامسة عشرة بعد .
كان القسط المدرسي السنوي من 70 إلى 90 ليرة ،يوم كانت الليرة (تحكي وتتباهى) فالمدرسة وقفية وليست ربحية ، وغدت بؤرة إشعاع وعلم لأبناء المنطقة ، بعضهم ترقّى في العلوم والمهام وظلّ على وفاء و تواصل مع من شاركهم السكن ، و من صداقاتنا طلبة من أبناء القرى المجاورة من غير مشرب ومعتقد .
بالنسبة لنا أسعفنا في إحدى السنوات خالي العامل بها بضمانة أجره ، ومما أتذكّره أنه بعد إغلاق المدرسة بسنوات ،جرت مطالبة والدي بما تبّقى من رسوم مدرسيّة عن أخي ،فسددّها تقسيطا ، كنّا نرتدي الجلاّبيّات من خياطة أمي المتقنة ومردورد دولابها ، وكم كانت فرحتي بالبنطال ، حين لبسته في فحص الإعدادية بدمشق التي نلت فيها الثانوية أيضا و 3 شهادات جامعيّة.
كانت المرحلة المتوسطة ، مرحلة نشاط وصداقات جديدة ، صرنا على احتكاك مع الجيل الأكبر ، مع تفوّق دراسي حتى في اللغة الإنجليزية المستجدة مع مدرسها توفيق من جارتنا مهين لكن في الصف الثامن تراجعنا ، وضربنا الإهمال، حتى بلغ أقصاه في سنة الشهادة ، فلا أذكر أن ثمة من علّمنا المادة ، ما جعلها عقبة لازمتني حتى باتت كأداء في الغربة ، وكلّفتني جهودا ونفقات إضافيّة ودورات خاصة في دار المعلمين والجامعة وبعدهما ، ثم عبر النت و يوتوبه ، ولكن مع تقدّم العمر والسنوات ما فات قد فات ، وليس غير الأحفاد يصححون لنا فيضحكوننا ويضحكون .
في سنة الشهادة . الإعدادية ..توضح تنافسنا أكثر ، حين يتسابق المجدّون لحلّ مسألة حسابية أومعادلة جبرية أو هندسية ،أو إعراب كلمة ، فما أروع ذلك..ما أروعه كان !!..
ومازالت في الذهن صورة هيبة المدرّس جميل ليس بشموخ هامته وطلته فقط ، وإنّما بغيرّيته ومبادرته في إعراب نحو الـ 1000- بيت من الشعر ، كنت متجاوبا وفاعلا ، مامكّنني في هذا المجال إلى اليوم ، لطالما أحبّني ومدح ، وليتني التقيته مرّة لبعض ما أوفّيه .
سرّني أن استعاد بناء المدرسة هويّته ، صار مركزا للعلوم ” سارعت لزيارته بعد غربة وسجّلت فيه فيض مشاعر وعصارة ذكريات ، بادرت متبرّعا بما تيسر و لتدريس الإعراب فيه ، قيل : نحن مهتمون بلغات أجنبية فقط ……
بُعيد الإعداديّة تفرّقنا كلّ لمستقبله
وأمّا لماذا توجّهت لدار المعلمين ، فبسبب ما أشرت من ظروف ماديّة ، فهي تعطي راتبا شهريا 85 ل.س شهريا ، وتؤمّن الوظيفة ،إنتاج الأرض شحّ ، الوالد قارب الستين، مثل غيري ممّن ُقبل في الدار، أهّلنا مجموع العلامات ، كنت بالترتيب الثاني على مدرسة البلدة ، بمعدّل نحو 68 بالمائة ، لقد كان دخولي الدار برضى الوالد فهو واقعي ، ولكنّ الرغبة الملحّة لوالدتي ، تريدني معلّما كأولاد اخويها ،
،ثمّ أنّ العديد من شباب البلدة سبقوني للتعليم في الجزيرة، حيث التوفير و صوف الغنم الذي يتشهاه دولابها الطموح ، ولطالما ردّدت على مسامعي دعاء قريبة لها أن أصير مدير ناحية مثل جارهم عيسى ، بعدما نال الحقوق ، وهو معلّم .
أمّا الجامعة ، فرغبة أخي الكبير ، أيضا فلولا تفاقم الظروف لحال دون انتسابي لدار المعلمين، ولا أنسى قوله في أولى زياراتي له في دمشق لمّا مرّبنا الباص أمام المتحف ((هذه الجامعة التي ستدخلها )) ، .”
لقد تريّثت بتقديم الطلب لدار المعلمين حتى حين أبكرت من غرفته في زقاق جعفر بدمشق إلى (القشلة) لأفتش عن اسم أخي بين الناجحين في الثانوية ، ولمّا صفعتني الخيبة ، عدت لآخذ أوراقي وأسافر إلى حمص لتقديمها لدار المعلمين ،لا أنا استأذنت ولاهو كلّمني ، كلانا متفهّم الموقف، قد أكون ضحيّة ولكني لم أندم يوما ، قليلا ما راودتني حسرة ما، ولكن لم أستكن وتجاوزت الظروف بما استطعت …!
ولا أنسى تساؤل زميلي يعقوب الذي ذهب للثانوية العلمي فالصيدلة ، رغم ميوله الأدبية ، لا أنسى استغرابه لذهابي لدار المعلمين يوم قال :(( أنت متفوق بالرياضيات فكيف تتوجه للنظري؟ )) لربّما نسي ظروفي وظروفه الأفضل ، كان أول صيدلي من البلدة ، وأنا أول صحفي …
*كاتب وإعلامي سوري أمريكي
**************************

































