Views: 1
دولاب أمّي -١١-
*سعدالله بركات
أحنُّ الى دار المعلمين إلى أيام صارت سنينا
. فيها تلاقينا … فيها تشاركنا… هموما …..وطموحات ..
في صباحاتنا وأما سينا …
ومنها … منها سلكنا دروب معلمينا
حمص العدية لك يطيب السلام
أحن إلى ميماسك ،إلى بستان ديوان وسائح الوادي
إلى يوم كانت جارتنا هيفا
وفي حارتنا إنعام …
********
* ما تذكّرت دار المعلمين وحمص ، إلا وانتابني شعور ارتياح ، بفخر انطلاقة لمسار حياة ، وبطلاوة زمالة ، فصداقة تواصلت في أغلبها على طريق علم وعمل ، وإن تشعّبت الدروب ، سداها منبت ولحمتها طموح ووعيّ ، زيّنه اختلاف في الأغلب الأعم ، معتقد روحي ، بإطاره الوطني والإنساني .
في حمص ، ولجنا آفاقا رحبة من علم وحياة ، فيها عرفت السينما طفلا – ربّما تجاوزت العاشرة من عمري- مع أخي الأكبر لأوّل مرّة ، حين شاهدنا فيلم “عمالقة البحار ” استحضرت اسمه من النت – لكنّي أذكر أنه كان عن الشهيد السوري في مصر:جول جمّال، بهرتني السينما بأنوارها قبل أن يبهرني التمثيل بالصوت والصورة لقصّة بطولة قرأناها في كتبنا .
في حمص التي دفعني إليها – دولاب أمّي ونول أبي -تذوقنا بعضا من ( ترف) لم نعرفه قبلا، ولا بعدا لغير سبب: مشاهدة فيلم في السينما بين حين وآخر- التلفزيون لم يدخل بيتنا حتى أواخر السبعينات – ، لعلّ أول مشاهداتنا فيلم (بنت الحارس ) و عقد اللولو وأغاني فيروز الحالمة فيهما، ومما أذكر الفيلم الهندي ( زد )، بعدها فطيرة جوز من محلات (الشيخ ورق ) ومشاوير في الحميدية والدبلان أو نزهات الميماس ، استحضر هذه الذكريات وأتأسّى عمّا تناقلته الأخبار والشاشات عن أحياء حمص وأهلها خلال سني الحرب ، وها هي تتعافى لعلّها تعود لنوادرها. وظرافتها الشهيرة، بعدما غيّبت الحرب بعضها من النفوس أو استولدت طرائف جديدة من عمق معاناة وآلام !!
أينُها حمص التي كانت ، يوم جئتها يافعا مغتبطا بقبولي في دار المعلّمين ، بعدما ، عكّرفرحي خطأ مطبعي باسمي فظهر في الجريدة ، كان قبولنا في القسم العام وقد حصر حينه بأبناء المحافظة من المتفوقين، طلبة القسم الريفّي من حمص وغيرها ، خصّصوا بقسم داخلي رغبناه لما يوفّره من مبيت وطعام ، ما اضطرّنا لاستئجار سكن يذهب بحوالي ربع الراتب، وتخفيفا لذلك سكنت أنا و ،،النديم ،، السنة الأولى (في دار أبي محيو ) بوادي السايح قرب مؤسسة المياه . .
أبهرتنا دار المعلمين – قيل أنّها هدية من شركة فورد الأمريكية – ببنائها النموذجي الكبير، وبحدائقها ومهاجع النوم والمطعم ، وقاعات المكتبة والمطالعة ، ثمّ بقاعة المسرح والسينما ، ناهيك عن الملاعب الرياضية، وعن مدرّسيها اللامعين في تخصصاتهم التربوية والتعليميّة ، كيف لا وهي تضجّ بحيوية مايزيد عن 1000 طالب .
كانت حمص ودار المعلمين بسنواتها الأربع ، مرحلة أخرى وجديدة ، مجتمعا ومدرسة وحياة ، واعتمادا على الذات ، تعرّفنا على الآخر من غير أبناء البلدة ومن مشارب متعددة ، لم يكن قدومي الأول إلى المدينة وإلى حمص تحديدا ، فقد جئتها صبيّا وتذوقت كبابها مع والدي واخي الذي عرفني خلال زياراتي له على دمشق
لكن الإقامة والعيش في هكذا بيئة جديدة ، فتحت عقولنا وأعيننا على عالم آخر،واسع الآفاق على تعدّدها ،نوعا وبعداً، للقادمين من فضاء الريف ، الشاسع بفروقاته عن المدينة ، وبضعة من قرية منفتحة .
في دار المعلمين ، ذقنا طعم التحدي والتعبير عن عنفوان الشباب ، حين شاركت في أول أضراب مدرسي ، وقطعنا طريق حمص – حماة مطالبين بتأمين وسائط نقل آمنة ، وذلك بإيعاز من نائب المدير – جبرائيل – وإشرافه عقب تعدّد ضحايا القطار وخاصة من الثانوية الصناعية المجاورة ، يومها أوجعتنا رؤية أشلاء زميل وبعض نتف المخ على سكة القطار التي تجمهرنا عليها ، حتى جاء مدير التربية – رسلان – وجمعنا بالمسرح معلنا الاتفاق مع باصات تنقلنا من ساحة الساعة العتيقة وتعيدنا إليها مقابل 5 ليرات من جيب كل منا
مبكرا افتقدنا ابتسامة ٤ منا وعطر زهرة شبابهم ، مزعل – من الحفر – يوم غرق في ساقية الري أواخر ١٩٦٧ ، وابن قريته ،، الياس ،، الذي قضى شهيدا خلال عدوان على قطنا 1970 ، قبل استشهاد بلال – من فاحل – فرحان – من صدد- في حرب عام 73، وحين فرقّتنا أماكن عمل وسبله . جمعت بعضنا دمشق جامعة وعملا ثمّ صداقة رؤى وطموحات ، وتجاوز صعوبات ،قبل أن يخطف القدر .نديمنا 2- نيسان 2018… ومن غصة الفراق كتبت :
(( هوذا الأخ في الروح لم يمهله القدر، وعد التلاقي ، تبخّر، وعقد المودة انكسر، من واسطة جواهره التي تلألأت على مدى خمسة عقود ونيّف ، مذ بدأت مع اليفاع في سكن الغرفة الواحدة ، و تقاسم معاناة غربة مبكرة عن الأهل ، قبل تقاسم همّ وطموح …)). .


































