Views: 1
دراسة تحليلية حول قصيدة الشاعر د. جمال مرسي بقلم الناقد د. سامي ناصف
بعنوان
(فاكهة الكلام)
عنوان لديوان الشاعر . د. جمال مرسي، وهو أيضا عنوان لقصيدة داخل الديوان.
الديوان كتب بلغة رفيعة وافتتاح يَشُدُّ القارئ منذ السطر الأول.
أولا : القصيدة :
فاكهة الكلام
…..
شعر : د. جمال مرسي
…
لا تَحزَنِي
فَالعُمرُ أَيَّامٌ قَلِيلَهْ.
عِيشِي وغَنِّي واسْعَدِي
ولتُنشِدِي الشِّعرَ الجَمِيلَ
فأنتِ سَوسنةٌ جَمِيلهْ.
يَنْسَابُ عَطرُكِ فِي المَدَى
مُتَمَيِّزًا
عَنْ كُلِّ أَزهَارِ الخَمِيلَهْ.
تَمضِي الحَيَاةُ ولَيْسَ يَبقَى
مِن مَفَاتِنِها سِوَى
كَلِمَاتِنَا
تَسرِي كَمَا الأَنْسَامُ بَينَ النَّاسِ ذكرى
كَي نَعِيشَ بِهَا الأَمَانِي المُستَحِيلَهْ .
لا تَنظُرِي لِلْخَلفِ
وامضِي فِي طَرِيقِكِ لِلأَمَامْ.
وبِرِيشَةِ القَلبِ اْكتُبِي
إِنِّي هُنَا
إِنِّي وشِعرِي بَاقِيَانِ،
أَنَا وشِعرِي جَنَّتَانِ،
وفِيهِمَا يَرتَاحُ كُلُّ مُعَذَّبٍ
أوقَانِطٍ
أو مُستَهامْ.
إِنِّي أَنَا عَيْنُ القَصِيدَةِ
إنَّنِي الخِلُّ الوَفِيُّ
فَكَم سَهِرتُ لِكَي تَنَامْ.
سَافَرتُ عَبرَ بِحَارِها وبُحُورِها
بِسَفِينَةِ الحَرفِ الأَنِيقِ
لِكَي أُطَوِّقَ جِيدَها بِالدُّرِّ،
أَخلَعَ فَوقَ هَامَتِهَا أَكَالِيلَ الوَضَاءَةِ
والسَّلامْ .
وقَصِيدَتِي تَزهُو إِذَا مَا وُضِّئَتْ رُوحِي بِمَاءِ نَقَائِها
كَيمَا أُصَلِّي رَكعَتَيْ شُكرٍ
وأَدعُو
أَنْ أَظَلَّ مُلازِمًا مِحرابَها الدُّرِّيِّ
فِي نُورِ الصَّبَاحِ
وحُلكَةِ اللَّيلِ الذي يَزهُو
بِأَردِيَةِ الظَّلَامْ.
ولِكَيْ أَظَلَّ لَهَا المُعلِّمَ
والمُؤدِّبَ
والإِمَامْ.
إِنِّي أَنَا نِيلُ القَصَائِدِ
تَرتَوِي مِنِ فَيْضِيَ المُنْسَابِ
كُلُّ قَصِيدَةٍ أَلقَيْتُ بَذرَتَهَا بِأَرضِي
كَي تَمُدَّ الجِذرَ فِيهَا
ثُمَّ تَعلُو فِي السَّمَاءِ كَسُنبُلاتٍ
شَامِخَاتٍ
لا تُضِيمُ ولا تُضَامْ.
لا تَحزَنِي يَا نَفسُ، لا تَتَأَلَّمِي
واْستَبْشِرِي
فَغَدًا تُخَلِّدُكِ الدَّوَاوِينُ الَّتِي زَيَّنتِهَا
للنَّاظِرِينَ
العَاشِقِينَ
المُشتَهِينَ أَرِيجَ فَاكِهَةِ الكَلَامْ
………
ثانيا : الدراسة بقلم د. سامي ناصف
…
(مقدمة)
حين ينهض الشعر من بين ركام الأيام ليمنح الروح فسحة ضوء، ندرك أننا أمام تجربة لا تُكتَب بالحبر وحده، بل تُنقش في الوجدان بمزيج من العاطفة العميقة والرؤية الوجودية الشفيفة. هكذا تبدو قصيدة (فاكهة الكلام) لا تأتي بوصفها نصًّا غنائيًا فحسب، بل بوصفها رحلة تطهير روحي يتقاطع فيها الصوت والظل، وتتماهى الذات مع القصيدة حتى يغدو كل منهما مرآة الآخر.
إن هذا النص يقف عند تخوم الشعر الذي يتجاوز الغناء إلى القول الخلّاق؛ شعرٌ يخاطب النفس لتنهض، ويخاطب القصيدة لتتوهّج، ويخاطب الوجود كلّه بلغة تجمع بين الرقّة والرفعة، وبين صفاء الرؤية وحرارة العاطفة. وما يميّز هذه التجربة، أنّ الشاعر لا يكتفي بإطلاق مشاعره في فضاء اللغة؛ بل يبني عالمًا كاملاً يتحرّك بين رموز الماء والضوء والنقاء، ويعيد تشكيل العلاقة بين الإنسان والشعر بوصفها علاقة خلاصٍ وخلود.
من هنا تأتي أهمية هذه القراءة النقدية: فهي محاولة للكشف عن الطبقات الفنية والدلالية التي تختبئ خلف البساطة الظاهرة، وإضاءة البنية العميقة التي تجعل (فاكهة الكلام) نصًّا حيًّا، مشرقًا، وذا قدرة على ملامسة الروح.
قصيدة (فاكهة الكلام) للشاعر د. جمال مرسي، يتناول فيها مستوياتها: البنائي، الدلالي، الموسيقي، التصويري، واللغوي، مع إبراز جماليات العمل.
أولًا: البنية العامة للقصيدة:
القصيدة تُبنى على ثنائية واضحة:
(الخطاب، المُخاطَب) و (الشاعر ، القصيدة).
وفيها يتحول المخاطَب تدريجيًا من امرأة جميلة إلى القصيدة ذاتها، إلى الذات الشاعرة ثم يعود الخطاب إلى النفس.
هذا الانتقال البنائي يمنح النص ديناميكية ويُخرجه من البنية الخطابية الخطية، ليجعله أقرب إلى مونولوج شعري داخلي، تتقاطع فيه ثلاثة أصوات:
١-صوت المواساة: لا تحزني، عيشي وغنّي..
٢-صوت الشاعر المعلّم/المرشد: وبريشة القلب اكتبي.
٣- صوت الشاعر العارف بقدره الشعري: إني أنا عين القصيدة– أنا نيل القصائد.
البنية إذن تصاعدية، تبدأ من الإنسان ثم ترتفع إلى الشعر باعتباره خلاصًا ورؤية وجودية.
ثانيًا: المستوى الدلالي
١- دلالة العنوان: (فاكهة الكلام)
عنوان موفَّق، يجمع بين:اللطافة،اللذة،
الروائح، رهافة التعبير،التكثيف.
…العنوان يهيّئ القارئ لقصيدة ذات طابع احتفالي، رقيق، مشرق.
٢ المحور الدلالي الأكبر
النص يدور حول فكرتين رئيسيتين:
أ- الشعر كخلاص
يمثّل الشعر سفينة نجاة، وملاذًا من الألم، ومحرابًا يتطهّر فيه الشاعر، كما في قوله:
.أصلي ركعتي شكر…
أظل ملازمًا محرابها الدريّ.
هذا المزج بين العبارة الصوفيةالدينية واللغة الشعرية يضفي على النص روحانية شفافة.
ب — القصيدة ككائن حي تظهر القصيدة كأنثى جميلة، كالنهر، كالسنبلة، كالمحراب…
وهذا يشكّل شبكة رمزية تربط بين:الماء،النبات،
الضوء،الجسد،الروحوكلّها عناصر دلالية تعزز فكرة الخلق الشعري.
دلالة الجمع بين (فاكهة) و(الكلام)
اختيار كلمة فاكهة يحمل معاني:
اللذة،العطر،البهجة،
اللون،النضارة،والشيء الذي يُقبل عليه المرء شهوةً واستمتاعًا
وعندما تُضاف الفاكهة إلى (الكلام) يتجاوز العنوان المعنى القاموسي إلى أفقٍ من الشعرية الكثيفة؛ إذ تصبح الكلمات نفسها شيئًا يؤكل، ويُتذوّق، ويُشمّ، ويُستمتع به.
هذا الجمع بين المحسوس (فاكهة) والمجرّد (الكلام) يمنح العنوان طاقة تصويرية وإيحاءً بالتجسيد، وكأن الكلام يتحول إلى كائنٍ ذي نكهة ولون ورائحة.
٢- علاقة العنوان بالقصيدة
العنوان ليس زينة خارجية، بل هو مفتاح لقراءة النص؛ فالقصيدة ممتلئة بصور:العطر،النقاء،
الضوء،السنبلة،النهر،
وهي كلها عناصر تنتمي إلى مجال الفاكهة والماء والنمو، مما يجعل العنوان منسجمًا مع الشبكة الرمزية للنص.
وبذلك يعمل العنوان كـعلامة رئيسية تُؤطر التجربة:
الشعر في هذه القصيدة ليس كلمات وحسب، بل (فاكهة) تمنح النفس قوة، وتمنح الحياة مذاقًا، وتؤسس لجمال داخلي يدافع عن الروح.
القيمة الإيحائية للعنوان يمنح العنوان النصّ طابعًا:
احتفاليًا (لأن الفاكهة تُرتبط بالفرح)
حسّيًا (لأنها تُلمَس وتُشمّ ويُتذوّق طعمها)
أنثويًا (لأن الفاكهة غالبًا تُشبَّه بالأنوثة والخصب)
روحيًا (لأن الكلام هنا يتحول إلى غذاء للنفس)
وهذا التنوّع الإيحائي يجعل العنوان قادرًا على احتواء المعاني التي يبثّها الشاعر في جسد القصيدة.
دور الصورة الشعرية في قصيدة (فاكهة الكلام) للشاعر/ جمال مرسي
من الصور البلاغية في قصيدة (فاكهة الكلام) مع شرح كل صورة ودورها الفني والدلالي:
كما يقول: إني أنا عين القصيدة…
أنا نيل القصائد.
التحليل: هنا يتحوّل الشعر إلى كائن حي له عين ونهر، والشاعر يصبح متماهياً مع هذا الكائن.
الدور الذي يضفي على النص بعدًا روحانيًا ووجوديًا، ويجعل الشعر قوة حية تتفاعل مع العالم.
٢- الاستعارةمثال: أخلع فوق هامتها أكاليل الوضاءة والسلام.
التحليل: أكاليل الوضاءة والسلام استعارة عن تكريم الشعر وتطهيره، كأن الشاعر يضع تاجًا على القصيدة.
.الدور: تضيف عظمة ورفعة للقصيدة، وتعكس احترام الشاعر للكلمة.
مثال آخر: تزهو قصيدتي إذا ما وضئت روحي بماء نقائها.
….التحليل: الشعر هنا يُشبه جسمًا حيًا يتطهّر بالماء، والماء استعارة للنقاء الداخلي.
…الدور: يربط بين الطهارة الروحية والإبداع الشعري.
..التشبيه
مثال: تسرى كما الأنسام بين الناس ذكرى.
..التحليل: تشبيه حركة الكلمات بالنسيم، يوحي بالخفة، والانتشار، والتأثير اللطيف.
..الدور: يبرز أثر الشعر في النفوس ويجعل الصورة حسية وعاطفية في آنٍ واحد.
٤-التكرار الفني
مثال: لا تحزني…
لا تنظري… لا تحزني يا نفس.
..التحليل: التكرار ليس مجرد أسلوب بل أداة موسيقية ونفسية.
..الدور: يمنح النص إيقاعًا داخليًا ويشدّ القارئ إلى شعور الطمأنينة والمواساة.
دور التضاد بالقصيدة
مثال: نور الصباح وحلكة الليل الذي يزهو بأردية الظلام.
..التحليل: الجمع بين الضوء والظلام في سياق واحد.
..الدور: يعكس التناقضات الداخلية للروح الإنسانية، ويجعل النص غنيًا بالمعنى والتجربة البصرية.
الاستعارة المبهرة:
مثال: سافرت عبر بحارها وبحورها بسفينة الحرف الأنيق.
..التحليل: الرحلة في الشعر تُصوّر كرحلة بحرية حقيقية، والحرف سفينة.
.. الدور: يعطي للشاعر شعورًا بالسيطرة والإبداع، ويحوّل الشعر إلى فضاء كبير يمكن للخيال أن يبحر فيه.
الرمزية ودورها في القصيدة.
أمثلة رمزيةمتعددةمنها:
السنبلة،ترمز بالنمو والخلود
..الماء،يرمز بالنقاء الروحي والإبداع
الأكاليل ترمز بالتكريم والرفعة
الدور الذي قامت به هذه الرموز، تخلق طبقات دلالية تجعل النص غنيًا ومفتوحًا على التأويل.
(خلاصة)
القصيدة تتفوق في صورها البلاغية لأنها تمزج بين الاستعارة الحسية، التشخيص الروحي، الرمزية، والتكرار الموسيقي، ما يجعلها قصيدة حية، متعددة الأبعاد، وممتعة للنظر والإحساس في الوقت نفسه.
قدمها لكم الشاعر الناقد/ سامي ناصف.



































