Views: 2
«الأب الغائب الحاضر: سردية الهشاشة الأبوية كما تعكسها
قصة شكراً يا بابا» لعماد ابو زيد
( رؤية تحليلية نقدية )
بقلم د/ أميمة منير جادو
استاذ باحث اكاديمي
عضو اتحاد الكتاب.مصر
ملخص القصة
تدور قصة «شكراً يا بابا» حول أب يحتفل منفردًا بعيد ميلاد ابنته سلوى في غيابها القسري عنه. يشتري لها الفستان والحذاء والهدايا التي تحبها، ويشعل شمعة باسمها، مستعيدًا تفاصيل ذائقتها الطفولية وعلاقته الحميمة بها، رغم انقطاع التواصل بينهما في هذا اليوم.
يكشف السرد تدريجيًا أن هذا الغياب ليس عارضًا، بل مفروضا؛ بفعل الأم التي تمنعه من لقاء ابنته أو احتضانها، فيكتفي الأب بالفعل الرمزي بدل الحضور الفعلي.
يعيش الأب حالة انتظار مؤجل، مؤمنًا بلقاء قادم «غدًا أو بعد غد»، بينما يتراكم إحساسه بالفقد والوحدة.
تبلغ القصة ذروتها حين يعبّر الأب عن خوفه العميق من أن يحلّ شخص آخر محلّه في حياة ابنته، وأن تنطق كلمة «بابا» لغيره، فتغدو القصة شهادة موجعة عن أبوة مهددة، وعن حب أبوي صادق يُقصى قسرًا، ولا يجد منفذًا إلا في الذاكرة والأشياء.
تقوم القصة على صوت أب يتكلم من موقع العجز لا السلطة، ومن الهامش لا المركز، فتتفكك الصورة النمطية للأب بوصفه حاميًا ومقرِّرًا، ليحل محلها أب مُستبعَد، يكتفي بالفعل الرمزي (الشراء، الإهداء، الإشعال) بدل الفعل الواقعي (الاحتضان، التهنئة، المشاركة).
منذ السطر الأول:
«أشعلت شمعة في عيد ميلادك»
نحن أمام طقس ناقص؛ شمعة بلا محتفَل بها، واحتفال بلا حضور. الإشعال هنا فعل تعويضي، لا احتفالي، يؤسس لبنية القصة كلها: البدل عن الغياب.
عناصر التحليل :
أولاً: الأب بوصفه ذاتًا سردية منكشفة :
السارد لا يخاطب القارئ بل يخاطب الابنة مباشرة، بصيغة نداء حميمي متكرر:
«يا حبيبتي»، «يا سلوى»، «يا قرة عيني»
هذا التكرار لا يؤدي وظيفة عاطفية فقط، بل يعكس قلق التثبيت: محاولة مستمرة لإثبات علاقة مهددة بالانقطاع.
الأب هنا يعرف ابنته عبر ما تحبه:
«تحبين السندريلا… تحبين أليس في بلاد العجائب»
أي أنه أب يعرّف نفسه من خلال ذائقة طفلته، لا من خلال موقعه الاجتماعي. هذا قلب دلالي مهم: الهوية الأبوية تُستمد من الطفلة، لا العكس.
ثانيًا: الأشياء كبدائل عن العلاقة :
القصة مزدحمة بالمقتنيات:
(الفستان – الحذاء – الجوارب – حقيبة الهدايا – الشمعة.)
وهي ليست تفاصيل تزيينية، بل شواهد على فراغ العلاقة. كلما غاب الجسد، حضرت الأشياء بكثافة.
دلالة الحذاء السندريلا بالغة الوضوح:
«صنع خصيصاً احتفاء بعيد ميلاد السندريلا»
السندريلا هنا ليست مجرد حكاية طفولية، بل أنثى تعيش التهميش وتنتظر الاعتراف، وهو إسقاط غير مباشر على وضع الأب نفسه داخل حياة ابنته.
حتى البائع يتحول إلى شاهد سردي يعمّق المفارقة:
«من حظك أنك تحصل على آخر حذاء»
الحظ هنا ساخر؛ فالأب يملك الحذاء ولا يملك الحق في تقديمه.
ثالثًا: الأم بوصفها سُلطة صامتة:
الأم لا تظهر إلا مرة واحدة، لكنها حاسمة:
«أعلم أن أمك منعتك من أن أضمك إلى صدري»
الجملة تقريرية بلا جدل، ما يكشف قبول الأب بدوره المقصي. لا مقاومة، لا اتهام، فقط معرفة موجعة.
المفارقة أن الأم في ذاكرة الأب قديمًا كانت تقول:
«أنا خبزاك وعجناك»
وهي عبارة سيطرة وامتلاك. استدعاء هذه الجملة في هذا السياق يشي بأن الأب نفسه كان يومًا داخل علاقة سلطة، قبل أن يُزاح منها. القصة هنا لا تدين الأم مباشرة، بل تفضح دوران السلطة داخل البنية الأسرية.
رابعًا: الزمن المؤجل وبنية الانتظار :
يتكرر في النص:
«غدًا أو بعد غد»
وهو زمن غير محدد، زمن مؤجل، يكرس التعليق الوجودي للأب. لا حاضر حقيقي، فقط وعد هش بلقاء محتمل.
حتى الشمعة تُمنح وعياً حزيناً:
«ستخبرك الشمعة… أنها باتت حزينة»
تشخيص الشمعة يؤكد أن الحزن لم يعد قابلاً للاحتواء داخل الذات، فانتقل إلى الأشياء.
خامسًا: الذروة الدلالية: جملة العنوان:
الختام هو ضربة النص:
«لا تخبريني أن أحداً تقمص دور الأب… أن أحداً قلتِ له على استحياء: شكراً يا بابا»
الاستحياء هنا ليس خجلاً طفوليًا، بل ارتباك انتمائي. من هو الأب؟ من يملك الحق في الكلمة؟
الجملة تكشف أن أقصى خوف للأب ليس فقدان الحب، بل فقدان الاسم.
خلاصة نقدية :
القصة لا تحكي عن أب وابنته فقط، بل عن تفكك الأبوة في واقع اجتماعي معاصر، حيث تُستبدل الأدوار، وتُمارَس السلطة بلا صوت، ويُختزل الحب في هدايا.
نص مكثف، عاطفي بلا ابتذال، يعتمد على السرد الاعترافي، ويجيد توظيف التفاصيل اليومية لتحميلها دلالات وجودية عميقة.
نلحظ أن قوته الأساسية في أنه لا يصرخ، بل يهمس. والهمس هنا أشد قسوة.
—
ملحق القصة النص
شكرا يا بابا ( قصة عماد أبو زيد ) أشعلت شمعة في عيد ميلادك ياحبيبتي .. وفستان مزركش يليق بمقامك أحضرته. أنت تحبين اللون الأبيض في فستانك ياسلوى .. وهاهي ألوان البحر والبرتقال والأصفر تتجمع على محبته.. واشتريت لك حذاء جميلا بلون الفستان.. أخبرني البائع أن هذا الحذاء صنع خصيصا احتفاء بعيد ميلاد السندريلا.. وفي كل عام.. وفي مثل هذا اليوم تحديدا..يكون هناك “ديزاين” جديد للحذاء .
قال البائع : – من حظك يا سيدي أنك تحصل على آخر حذاء لدينا للسندريلا . سلوى تحب السندريلا كثيرا.. وتحب أليس في بلاد العجائب.. وتحب العروسة بارتي .اشتريت لك أيضا جوارب بألوان القرنفل والبنفسج والليمون. أنت لم تهاتفيني ياسلوتي.. كي أقبلك.. وأقول لك كل سنة وأنت طيبة يا قرة عيني .
أشتاق كثيرا لضحكة عينيك.. حين تكونين مغتبطة.. فعينيك أراها ترقص أمامي..وأنا أنصت لموسيقا قلبك.
كانت أمي تقول لي وأنا صغير حين أراوغها..أو أدخل بحيلة عليها : – أنا خبزاك وعجناك.
وأنت ياسلوى ..أشعر بدقات فؤادك في صحوك ومنامك.. وفي كل وقت وحين.. لن أوجه لك اللوم..أعلم أننا كنا سنتقابل بعد أن نتواصل بالتلفون أو الواتس أو الماسنجر.. وكنت ستغمرينتي بقبلاتك.. وأنك كنت ستضعين حقيبة الهدايا التي أحضرتها لك أمامك طيلة الليلة. لن أعاتبك يا سلوى ..أعلم أن أمك منعتك من أن أضمك إلى صدري في يوم مولدك.
عندما أراك غدا أو بعد غد ياسلوى .. ستخبرك الشمعة التي أشعلت جزءا منها , أنها باتت حزينة.. وأن حقيبة الهدايا مرت عليها ليلة باردة جدا. عندما أراك غدا أو بعد غد ياسلوى ..لا تخبريني أن أحدا تقمص دور الأب.. أن أحدا قدم لك هدية في يوم مولدك .. أن أحدا قلت له على استحياء :
– شكرا يا بابا.
تمت
1


































