Views: 59
عين على لغة الأمل في قلب الشتات
غوص هادئ
بقلم الأديب السوري/ أحمد إسماعيل
لنص * وين بدنا نروح؟ *
للكاتبة السورية / منى عز الدين Mona Ezildeen
…………………..
النص
(وين بدنا نروح …؟)
شقت صرختها جلباب المخيم المهترئ و الفضاء وصدري
لمستُ قلبي المرتعش، على تواتر نبضه، ضبطت الروح ستستيقظ رقصة الموت هناك.. …
– لا نملك الوقت، بسرعة إلى السيارة …يومان فقط ونعود
_وجبة ثانية للأولاد فقط..!
_ بسرع…
تناثر الصوت مع الحصى والأتربة، حتت ريح القذائف البيوت.. وإرادَتنا ..
انحشرت خطواتنا في الركام، مجاهدةً لمسابقة الحرائق حتى السيارة، وهناك بدأنا مسابقة أخرى مع الموت الذي يتربص في منحنيات الطرق.
_إلى أين سنذهب ؟!
_لا أعرف
حطت بنا الرحال في بلدة مجاورة آمنة.. تناثرنا في طرقات فرشها الجليد، برد يزوي الوجوه، يسيل الأنوف، يحجر العيون، صقيع يقشف الأبدان، يدق مساميره في الأعضاء، فتنتفض الأحشاء ..
لم أعد أسمع بكاء صغاري، بدوا كالتماثيل، تجمدت الدموع في الآماق، ويبست الأشداق …
سكون كالموت رافق خطواتنا المرتجفة الباحثة عن مأوى …
في بيت كبير كان قد خصصه أصحابه للتصييف اجتمعنا مع عائلاتنا، تغطت أرضه الجرداء بأجسادنا وأقاربنا .. في الظلام نتحسس أية قطعة قماش، أي بساط، أي وسيلة ندفع عنهم بها لحاف البرد …
لا ماء ..لا كهرباء .. لا كلمة حتى يحود بها اللسان لتكسر الوجوم .. لا أدري أهو وجوم الحزن أم الخوف أم الترقب أم كلُّ ما سبق
كل صباح نكسر الجليد في البحيرة، ونكسر ضلعاً في الأمل، تنتفخ الأيدي، تحمر ، تتخدر حتى ننتهي من الغسل ..
مر يومان .. شهران .. سنة .. سنتان …. مر زوجي مهاجرا أيضا ..
مرت الأيام بعده …
مرت على حواف الانتظار
انتظار الفرج .. انتظار لم الشمل .. انتظار مبهم ختمته تأشيرة سفر ..
على باب المطار تأمّلت صورة بيتي الذي لم أودعه وقبلتها قائلة :
سنعود بعد يومين
………..
منى عز الدين يناير ٢٠٢٢
Mona Ezildeen
……………..
مقدمة
يرى بعض الفلاسفة أن الأمل حالة عقلية إيجابية حول قدرة الأفراد على تحقيق الأهداف في المستقبل
ويرى استوتلاند أنه مجموعة من التوقعات أو المشاعر المتعلقة بتحقيق الأهداف في المستقبل
و يرى أفرويل أنه حالة إنفعالية تتأثر بالظروف المحيطة.
وفي الأساطير اليونانية يرون أن الأمل هو الأقوى و الأكثر نفوذا من جميع الآلهة كفكرة بنيت على أساس أن باندورا حين فتح صندوقه ليسمح بخروج جميع الآلهة، ظل الأمل داخل الصندوق.
العتبة العنوانية: منسوجة بلغة محكية مع صيغة السؤال
المليئة بالحزن و القسوة التي تحملها الظروف، و الكثير الكثير من التوقعات التي يمكن أن تبحر بها الكاتبة في السرد وذلك كله لتكون أقرب من ذات المتلقي
وهنا يتبادر إلى ذهن المتلقي أين موقع الأمل في سؤال العتبة العنوانية؟
والجواب أن السؤال بحد ذاته يدل على أن بطلة القصة بدأت بالتفكير من العتبة العنوانية لتجعل المتلقي في حالة التصاق مع الحالة النفسية و الوجدانية التي تمر بها البطلة
و التفكير هنا يظهر القدرة العالية لبطلة القصة و التي من خلالها ستواجه الظروف الصعبة في خضم الشتات و غربة الذات،
وهذا ما كان واضحا من خلال مطلع القصة
المشهد في المخيم، صراخ يهز المكان و رقصة الموت هنا و هناك
السباق مع الزمن على أشياء و أشياء هل يكفي؟
أسئلة تتوقف عندها الذات ليكون الجواب لا لليأس.
المشهد الثاني: يبدأ بتناثر الصوت الأول مع الحصى و الرمل
لتبدأ عاصفة من أصوات القذائف و الحرائق التي تنجبها
السباق هنا يأخذ منحى أعلى و هو تجنب الموت الذي يأكل الأخضر و اليابس هناك
لكن حين يحيط الموت بكل شيء هل يكون هناك وسيلة لتجنبه؟
طبعا كل شيء بقدر و حين تكون هذه الفكرة ضمن الخارطة الذهنية للذات فإنها على الفور تأخذ بالأسباب التي يمكن أن تبقيها على وجه الأرض نابضة.
هنا في ظل هذا المشهد الدموي تظهر أيضا الأفكار السوداء
لكن هنا نستحضر قول الباحثان المصريان د. محمد منصور و د. عاطف الشربيني
بأن الذات التي تكون متسلحة بالأمل تكون الأكثر قدرة على التعايش مع الضغوط، و كان الامل يمنحهم المناعة… لذلك يستخدمون استراتيجيات مواجهة أكثر فاعلية كإعادة التقييم و حل المشكلات.
وهذا ماقامت به البطلة لم تقف عند دوامة سؤال
إلى أين سنذهب؟…. لا أعرف….
بل مضت لتبحث مكان آمن لها و لعائلتها.
لكن في المشهد الثالث يبدأ السباق أو بمعنى أدق الصراع مع البرد
كل شيء يهزه البرد إلى درجة اختفاء بكاء الصغار
فالكل يصبح كتماثيل متجمدة و كأن السباق يرتفع هنا أكثر و أكثر في إيقاعه إلى درجة الإصابة بالشلل
وهل هناك مشهد قاس مثله
الكاميرا الثلاثية الأبعاد هنا تصور حياة الذات في العراء
لاشيء من مقومات الحياة حولها
حتى المأوى لايشبه المأوى سوى في الاسم
الحواس حتى يكسوها الجليد
ولاشيء يكسر جليدها سوى الأمل…
ليمضي المشهد الثالث كفترة زمنية طويلة
كل شيء يمر فيها مع حقنة بإبرة التأقلم و التعود و الصبر
( الأيام… السنوات… وحتى زوجها المهاجر…)
هذا السباق يتصاعد مع ألم الانتظار و لحظة الفرج
لكن مشهد الخاتمة يعود بذات البطلة إلى لحظة انتظار كانت أعلى بكثير في سموها…
مشهد المطار و لحظة المليئة بكم هائل من الحزن على مغادرة الوطن الذي لم تغادره الحروب
والتفكير من جديد بشيء غريب و غير مألوف و هو بلد اللجوء
كيف ستكون الحياة هناك والتي يصورها البعض علاجا لكل المشكلات…
كيف ستكون هناك مع لغة أخرى و اناس و أفكار و عادات وتقاليد جديدة
هل ستتخلص من مأساتها؟
لكن حين نرى الهدف السامي الذي تتعلق به البطلة و التي كانت تسعى خلفه في رحلة الشتات
الأرض و الانتماء رغم كل قسوة الظروف
هنا تتوضح للمتلقي هذه المعاني
لا قيمة للمال و لا الحياة بدون تلك الجذور
فكل شيء بعيد عنها هو ضمن فكرة يمر المحقونة بإبرة التأقلم والصبر.
الميزات التي أكسبت السرد ثوب الجمال
1_ العتبة العنوانية و التي اختارتها الكاتبة بحرفية
والتي من خلالها تركت المسرح مفتوحا على كم كبير من التساؤلات
هل هي مغامرة؟
هل هي وجبة سردية محزنة؟
هل هي نقاط استفهام ستلقي بتداعياتها على ذات المتلقي و تثير فضوله؟
الجواب نتركه للمتلقي
2_ بدأ المطلع بمشهد وجداني عالي التأثير استطاعت من خلاله جذب حواس المتلقي
3_ التسلسل في سرد الأحداث يجعل المتلقي جزءا من الحدث لأنه يعيش تلك الظروف و يسابق الزمان و المكان بتأقلمه معهما و البحث بشكل مستمر عن الحلول ليصل إلى اللحظة التي يكسر بها حاجز الانتظار بلقاء و احتضان الأرض و الجذور
4_اللغة الشاعرية التي نسجت من خلالها الكاتبة والذي كان بدوره يصنع أجنحة للسرد و يرفرف بها
5_ عامل المفارقة و الدهشة و خاصة في مشهد الخاتمة و الذي يتفجر معه بركان الأمل
(سنعود بعد يومين)
رغم المجهول الذي تغادر إليه
6_الأسلوب المبسط و اللغة السهلة التي عبرت من خلالها الكاتبة عن الأحداث
7_ المونولوج او حديث الصمت داخل ذات البطلة و الذي كان بوصلة تغير به مسارات الأحداث المتتالية و الذي كانت من خلاله تضخ الكاتبة الكم الهائل من الأحاسيس و المشاعر و تعزف إيقاعات تتناسب مع المشهد و الحدث
سرد غاية في الجمال رغم المأساة التي يصورها في المخيمات و الشتات و الحروب التي كانت سببا لها
ترفع القبعة لكل هذا الجمال مبدعتنا
محبتي وطوق ياسمين
بقلمي أحمد اسماعيل /سوريا..١ فبراير ٢٠٢٢
Discussion about this post