Views: 131
.
قصة قصيرة جدا بقلم سامية نصراوي
..ارتدت لباسها التقليدي وتحلت بحليها وتكحلت وتسوكت وتعطرت وسوت ظفيرتي حفيدتها التي انتزعتها من المهد وربتها واغدقت عليها حنانا لا مثيل له… حثتها على الاسراع ، فاليوم مهرجان الولي الصالح سيدي العياشي ! ويجب ان نكون من الحاضرين الأوائل…هاهي الشمس ترسم خيوطها الأولى والجميلة والهواء خريفي والنسمات منعشة ونحن نسلك بساتين الكروم والورود والجوز والرمان وجدتي تتحسر على ماضيها المجيد وتحكي عن ذكرياتها مع هذا الولي الصالح ، ففي حياة جدي ،كنا نقيم ليلة في الخيام بجواره ونذبح الخرفان قربانا له وطمعا في بركاته…
بدت المقبرة شاسعة، بقبورها المشيدة البيضاء والمباني القديمة جدا تخبر عن حضارات وتاريخ مجيد وبساتين الزاوية المشهورة بغلالها الحلوة واللذيذة ، ذات الأشجار المتشابكة التي تسقى من ماء العين الزلال…والجامع العتيق هذا المعلم الذي استقبل الطلاب في قديم الزمان وفيه تعلموا القرآن والفقه في الدين ومناهج اللغة العربية… أما المدرسة العجوز الشاسعة بساحتها والجميلة بقاعاتها ، التي تخرج منها أطباء ومهندسين واطارات في الدولة تبدو شامخة بشموخ وأنفة اطارها التربوي…
الخيام منصوبة وباعة الرمان والبسر والحلوى ” الرحي” في أشد حماسهم… أماالحان الانشاد الديني تشق عباب السماء فتبعث فرحا وسكينة في النفوس بصوتها الرخيم… ورائحة الكسكسي تنتشر في المكان فتزيده تشبثا بالعادات والتقاليد…دخلنا الى منزل سي عياشي ، هذا الرجل الطيب والوسيم جدا وهو من احفاد الولي الصالح وسلالته، فالمبنى ملتسق بالجامع ومنفرد في تصميمه وطريقة تشييده، فتعترضك في قاعة الاستقبال أرائك فرشت بأجمل اللحافات وزينت بالوسادات…تجلس جدتي هذه الضيفة المبجلة جدا لأليها انا…وتستقبلنا النساء المقيمات في المنزل وصاحباته ايضا ، العائدات من العاصمة والمدن الكبرى لهذه المناسبة العزيزة بالترحاب والعبارات الجميلة وتجلبن اطراف الحديث وشتى الفكاهات والضحكات…وصوت الطبول وطلقات الرصاص تنبعث من الخارج…انها أهازيج البادية وأفراحها ومسراتها ! تنصب الموائد وتوضع فوقها ” شقايل” الكسكسي بقطع اللحم الكبيرة وغلال البساتين الحلوة لتليها أطباق الشاي بحبات البندق في دخان كثيف من البخور والجاوي ،انها عاداتنا وتقاليدنا وطقوسنا ، لتثريها النسوة بالزغاريد… وعند الانتهاء من الوليمة، يقع استدعاؤنا الى كل الغرف لنطلع عليها بما احتوت من أثاث قديم “أرابيسك” وتحف نادرة جلبها الطلاب في الزمن الماضي من الجزائر والمغرب وغيرها…الوقت يمضي بسرعة والجميع من الخارج والداخل يؤمون الجامع ، لزيارة الولي الصالح ووضع الشموع عند رأسه وتقبيل الثابوت…ينتهي اليوم ونعود أدراجنا بعدما تضرب صديقات جدتي موعدا لزيارتها بهنشيرنا ، للترويح عن النفوس ولتهديهن السمن والعسل والصوف والزيت والبيض “وشربة المرمز”…وفي طريقنا كنت في كل مرة افتح السلة ، التي أهدتها صاحبة المنزل الى جدتي وأختار لونا جميلا من “الحلوى الرحي” أتذوقه وأبعد البسر ، لأني أكره هذه الثمرة ! بينما كانت جدتي تسرع الخطى فحيواناتها في حاجة اليها فقد غابت عنها يوما كاملا…
Discussion about this post