Views: 30
(٩) كاتب وكتاب…………………….
د. مصطفى محمود :
أناشيد الإثم والبراءة
« الذي يسكن في أعماق الصحراء يشكو مر الشكوى؛ لأنه لا يجد الماء الصالح للشرب ٠
و ساكن الزمالك الذي يجد الماء و النور و السخان و التكييف والتليفون و التليفزيون، لو استمعت إليه لوجدته يشكو مر الشكوى هو الآخر من سوء الهضم و السكر و الضغط ٠!
و المليونير ساكن باريس الذي يجد كل ما يحلم به ، يشكو الكآبة و الخوف من الأماكن المغلقة و الوسواس و الأرق والقلق.!
و الذي أعطاه الله الصحة والمال و الزوجة الجميلة يشك في زوجته الجميلة و لا يعرف طعم الراحة.!
و الرجل الناجح المشهور النجم الذي حالفه الحظ في كل شيء و انتصر في كل معركة ، لم يستطع أن ينتصر على ضعفه وخضوعه للمخدر ، فأدمن الكوكايين و انتهى إلى الدمار.!
و الملك الذي يملك الأقدار والمصائر و الرقاب، تراه عبداً لشهوته خادماً لأطماعه ذليلاً لنزواته.!
و بطل المصارعة أصابه تضخم في القلب نتيجة تضخم في العضلات.!
كلنا نخرج من الدنيا بحظوظ متقاربة ، برغم ما يبدو في الظاهر من بعد الفوارق.!
و برغم غنى الأغنياء، و فقر الفقراء ، فمحصولهم النهائي من السعادة و الشقاء الدنيوي متقارب.!
فالله يأخذ بقدر ما يعطي.. يعوض بقدر ما يحرم..
و ييسر بقدر ما يعسر .!
و لو دخل كل منا قلب الآخر.. لأشفق عليه ، و لرأى عدل الموازين الباطنية برغم اختلال الموازين الظاهرية.. و لما شعر بحسد و لا بحقد و لا بزهو و لا بغرور.!
إنما هذه القصور و الجواهر والحلي و اللآلئ ، مجرد ديكور خارجي من ورق اللعب .. و في داخل القلوب التي ترقد فيها تسكن الحسرات و الآهات الملتاعة.!
و الحاسدون و الحاقدون.. والمغترون و الفرحون.. مخدوعون في الظواهر غافلون عن الحقائق.!
و لو أدرك السارق هذا الإدراك لما سرق ، و لو أدركه القاتل لما قتل ، و لو عرفه الكذاب لما كذب.!
و لو علمناه حق العلم ، لطلبنا الدنيا بعزة الأنفس و لسعينا في العيش بالضمير ، و لتعاشرنا بالفضيلة.. فلا غالب في الدنيا
و لا مغلوب في الحقيقة.! فالحظوظ كما قلنا متقاربة في باطن الأمر ، و محصولنا من الشقاء و السعادة متقارب، برغم الفوارق الظاهرة بين الطبقات .!
فالعذاب ليس له طبقة، و إنما هو قاسم مشترك بين الكل .. يتجرع منه كل واحد كأساً وافية.. ثم في النهاية تتساوى الكؤوس برغم اختلاف المناظر و تباين الدرجات و الهيئات!».
من كتاب :
«أناشيد الإثم والبراءة»
د. مصطفى محمود
Discussion about this post