Views: 1
قصيدة النثر
تجديد في القصيدة والنقد
( أ ) قصيدة النثر
******************
حينما يولد الجنس الأدبي , فإنما يولد من جنس أو أجناس أخرى , وذلك عن طريق التحول من جنس سابق , أو الارتباط به ,أو إزاحة جنس ،أو تمازج مجموعة من الأجناس الأدبية .
ومع ولادته يولد الولاء والعداء , وقد حدث هذا مع قصيدة النثر ,كما سبق مع الرومانسية وشعر التفعيلة , وقد اختلف الأمر كثيراً مع قصيدة النثر حيث إن المعارضين يستندون إلى إرث ثقافي كبير , وتطورات متعددة مرت على القصيدة العربية واللغة تصل في الزمن إلى أكثر من 1700 عام .
أما المؤيدون فقليلهم يجيد هذا الفن ويعرف ماهيته ، ويدرك الحاجة الملحة لوجوده ,
وكثيرهم دخل من الباب خلف الداخلين
طمعاً في ما لا يعرفون وسعياً وراء ما لا يفهمون .
وقد تحاورت شخصياً مع بعض وجوه النقد والشعر في مصر والوطن العربي أمثال محمد آدم وعلاء عبدالهادي ووديع سعادة ومحمد الشهاوي وغيرهم ، حول ما هية قصيدة النثر
وكان الأسى لما وجما , حينما كان الحديث عن شعراء يكتبون قصيدة النثر , ولا يدركون كيف يرتدون هذا الثوب ؟؟!!
فبدت سوءاتهم , ولم يعرفوا كيف يوارونها .
إن قصيدة النثر جعلت الأمور مختلفة فالتعارض الموروث والموجود في المسمى حيث إن كلمة قصيدة تعني شعراً
ولكنها تستند إلى ضدها من وجهة نظر العامة
فهل الشعر ضد النثر , وهل تقسيم الكلمة الفنية والشعرية إلى شعر ونثر لا زال صالحاً؟! فحينما يقول ابن عقيل رحمه الله
كلامنا لفظ مفيد كاستقم
اسم وفعل ثم حرف الكلم
ويقول أيضاً :-
بالجر والتنوين والندا وأل
ومسند للأسماء تمييز حصل
ويقول صاحب الأجرومية
للنون أن تسكن وللتنوين
أربعة أحكام فخذ تبييني
وغير ذلك كثير وفيه وزن وقافية وإيقاع ظاهري منضبط
هل نستطيع أن نسمي هذا شعراً ؟؟!
لا شك الآن أن قصيدة النثر قد فرضت نفسها على الساحة الأدبية العالمية والعربية , ولا تحتاج إلى من يثبت وجودها بل إنها أصبحت معرفة في المعاجم والموسوعات المتخصصة فمثلاً ، قد جاء تعريفها في موسوعة برنستون المتخصصة في الشعر والشعريات بأنها : _
( تكوين كلامي قابل لاشتماله على كل خصائص القصائد الغنائية , إلا أنها تكتب على الورق كالنثر , وهي مختلفة عن نثر الشعر بالاحكام والقصر ولا يدخلها التشطير كما هو الحال في شعر التفعيلة ، وكذلك تختلف عن فقرة النثر المختصرة بالإيقاعات المتواترة من الألفاظ , والوقع الرنان ، والمجاز والتكثيف في الأسلوب التعبيري , وقد تحتوي على إيقاعات داخلية منتظمة, وفي الأغلب تتكون من فقرة أو اثنتين , في نصف صفحة , وقد يبلغ طولها ثلاث أو أربع صفحات, وفي هذه الحالة تفقد التوترات أثرها ) .
وقريباً من هذا التعريف , جاء تعريف مارتن جرى حينما يقول : _
( إنه نثر قصير يضاهي القصيدة الغنائية في لغته المنمقة ومجازاته ، قائم بذاته ولا يخضع للوزن ) .
وحينما يتحدث م . هـ . أبرامز عن قصائد بودلير
( سأم باريس ) أو ( إشراقات ) رامبو , وهي في الترجمة أقرب إلى استنارات ، من إشراقات
فيرى إنه نثر محكم بعناية شديدة ومتناسق وتجيء تكويناته رنانة ومنتظمة في سياق متصل دون استخدام التشطير .
والنقاد الذين يتناولون قصيدة النثر بالتأييد
_ معظهم _ يرى فيها كل مميزات القصيدة الغنائية وهم يفرقون بين قصيدة النثر والقصائد السابقة ، بأن قصيدة النثر تحررت من الأوزان والقوافي والتشطير , وعلى ذلك لم يكون لقصيدة النثر ميزة ، بل سينقصها الوزن
****
قد مر على وجود قصيدة النثر قرن من الزمن تقريباً , وإذا كان بودلير على شبه إتفاق هو المؤسس لهذا الفن فقد وضع عنواناَ لمجموعته ( قصائد نثر صغيرة)
ربما يشير إلى حجم القصيدة , وإنها تتميز بالإيجاز والاقتصاد في الكلمات , وقد أرجعت سوزان برنار ” ظهور قصيدة النثر إلى حاجة القصيدة للتمرد على القوانين الشعرية التقليدية والرغبة في رفض قيود الأجناس الأدبية رفضاً صارماً حتى تقليد النثر نفسه ترفضه إلى جانب رفضها لقوانين الشعر, وبعبارة حادة ومختصرة إن قصيدة النثر قد أربكت الشعر وأربكت النثر , حيث إن الحدود التي كانت فاصلة فيما سبق بين ماهو شعر وماهو نثر قد انتقلت إلى حد الملاصقة والمتاخمة , وليصبح استخدام اللغة هو المميز الأول فنقول هذه لغة نثرية ، وهذة لغة شعرية .
( ب ) قصيدة النثر العربية :-
*********************************
اعتبر البعض أن قصيدة النثر بدأت على يد شعراء الغرب أمثال ( بودلير – ت. س إليون – رامبو) وغيرهم والبعض الآخر _ كعادتنا – ردها إلى الأصول العربية حيث وجد لها جذوراً في ( المقامات – النثر الشعري لدى المتصوفة – النثر الشعري الرومانسي – الشعر المنثور )
وقد ظهر هذا المسمى “قصيدة النثر ” في مصر في أوائل الثلاثينات من القرن
الماضي , حينما حاولت جماعة أبو للو التأسيس لهذا لفن , ولكن هذه الجماعة كانت مطلعة , ومتابعة للأدب الغربي , فجاء تنظيرها
نقلاً لما هو في الغرب وبخاصة التجارب السريالية والدادية , وقد اتضحت ملامح التجربة بشكل جاد عند الجماعة السورية المساة ” بجماعة شعر ” وبخاصة عند الشاعر العربي الكبير ” أدونيس “” وكذا “أنسى الحاج وقد انتشرت ” قصيدة النثر في أنحاء الوطن العربي كله وكذا شعراء العرب المغتربيين في الولايات المتحدة الأمريكية , وأروبا والأسماء لا حصر لها داخل الوطن العربي وخارجه إلا أن القضية الأساسية التي تثير كل الأشكاليات , ضرورة إيجاد الحدود بين الشعر والنثر الفني كمصطلح متعارف عليه في أدبنا العربي ، وقد تنبه شارل بودلير لذلك حينما اعتبر الشعر تجاوزاً للواقع العيني , فهو ليس حقيقة كاملة سوى ضمن عالم متغير وأخروي , ويرى جوزيف جوبير
أن الشاعر يُعَرّفُ ما يجهله فـالشعر تساؤل يريد جواباً بينما الفكر والعلم هي أجوبة على تساؤلات مطروحة ، وتعتبر اللغة العلمية مغايرة الغائية لأنها تجد تأسيسها
خارجها, في حين تعتبر اللغة الشعرية ذاتية الغائية لأنها تجد غايتها داخلها .
وقد أشار شاعر العرب أدونيس إلى هذا المعنى أكثر من مرة في لقاءات عديدة حينما تحدث عن ارتباط الشعر بالذات الكاتبة وبالحركة كذلك ، وقد بيّن أدونيس ( أن الحركة تعني التجاوز أي الرفض والهدم ) ، والرفض ليس بمعنى العدم إنما الرفض المبني على الرؤيا ، والرؤيا هي نوع من الاتحاد بالغيب فيخلق صورة جديدة للعالم أو يخلق العالم من جديد
وقد تحدث كثير من النقاد في جماليات قصيدة النثر العربية
وجمع معظم هذه الآراء الكاتب العراقي / فريندزعمر ، ويمكن تلخيصها في النقاط الآتية :
1- الإيقاع الظاهر :
وهو الذي ينتج في قصيدة النثر من التكرار للفظ أو المقطع , وبعض الأساليب الأخرى , وهو ما يرادف الوزن العروضي عند أتباع الخليل أبن أحمد الفراهيدي الأزدي العُماني .
2- الإيقاع الداخلي :
وهو ما يبنى على وحدة الأضداد حيث تعتمد قصيدة النثر على المساحة الموجودة بين المتناقضات
3- التركيب :
وهو الشكل النحوي للقصيدة حيث منطقة الثبات والسكون وقد جرب بعض الشعراء الإنجليز على وجه التحديد كسر هذا النموذج النحوي القاعدي للغة
4- الصياغة :
ويقصد بها القدرة الخاصة للكاتب في إيجاد حركة جديدة وتحريك السكون داخل التركيب النحوي
5- الصورة الشعرية
وهي نقل جوهر الظواهر والصراع بين الأنا والموضوع وبين الخاص والعام من خلال إبراز خصوصية الذات في تناقضاته مع العام
6- وحدة موضوع القصيدة :
ويقصد بها أن تتناول القصيدة موضوعاً رئيساً واحداً ، وقد ينتج عنه تفريعات ترتبط به
7- التكثيف :
وهو الاختزال حيث تحتاج القصيدة إيراد الرؤى
العديدة في كلمات معدودة ومحدودة
8- الرؤيا :
وهي الخط الواصل بين الوعي واللا وعي
***
وحينما نقول أن قصيدة النثر الفرنسية تختلف عن الإنجليزية فهذا أمر بديهي وبالتالي فإنهما سيختلفان عن قصيدة النثر العربية , وسيكون الأختلاف شديداً حيث إن امكانيات اللغة العربية في التكثيف والإيقاع والصور والأخيلة وإتساع الرؤية وإتقان الصياغة وصحة التركيب لابد أن ينتج لنا شعراً يتناول موضوعا واحدا ، ويقدم فكراً ويصنع توزانا بين ذات المنتج وذات المتلقى لا يمكن أن يتوافر ذلك في لغة كما يتوافر في اللغة العربية .
تختلف اللغة العربية عن غيرها من اللغات في العالم فلم تمر لغة مستخدمة حتى الآن بتطورات وتغيرات ، كما مرت اللغة العربية . والكلمة في لغة العرب فعل والكلام عبادة وعمل وبه يثاب الإنسان العربي المسلم وعليه يعاقب فالإيمان باللغة والعبادة والكفر والضلال
فإذا كانت اللغات الأخرى الوسيلة الأدبية
فإن اللغة العربية ستكون غاية عند الإنسان العربي ، ولا يمكن فصل اللغة العربية عن دين الإسلام البتة حيث إن نشأة العلوم العربية جاءت كلها من الفهم للقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف , والدين ينظم حياة الشاعر ويصف أتباعه فقد جاء في الكتاب العزيز قول الله جلَّ في علاه : _
( والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل وادٍ يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وأنتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون )
وجاء في الحديث الشريف:
( إن من البيان لسحراً وإن من الشعر لحكمة )
وجاء كذلك ( الشعر كلام كالكلام , حسنه حسن , وقبيحة قبيح ) .
فالشعر في اللغة العربية لن يسعى إلى التصوير
للإيهام بما لا يحدث , بل هي صورة شعرية , وتكثيف لغوي , واختزال في الألفاظ , وبحث عن رؤى جديدة , من منظور أنه عمل وفعل , وحينما تكون اللغة أداة في الآداب غير العربية ستكون اللغة هدفا وأداة عند الشعر العربي , وستكون اللغة العربية كذلك معياراً تقيميياً .
وإذا انتبه النقاد العرب الحقيقيون- وهم قلة قليلة – سيعلمون أن أحداً من نقاد العالم لم يسبق النقد العربي , في تناوله للنص , حيث يعلن المفسرون أن كلام الله في القرآن كل مترابط , وهذه الروابط والوشائج من أول ، قوله تعالى ( الحمد لله رب العالمين ، وحتى قوله عز وجل ، من الجِنَّةِ والناس ) وهذا ما جعل أِشهر كتاب القصيدة النثر” أدونيس ” يقول : ( إن جذور الحداثة الشعرية بخاصة ,والحداثة الكتابية بعامة , كامنة في النص القرآني ) .
***********
جـ – قصائد نثرية : _
( 1 )
هسيتريا
( ت . س . اليوت 1888م – 1965)
*****
كلما ضحكت صرت مدركا
بأني جزء من ضحكتها
ومحاطاً بها
حتى صارت أسنهانها
نجمات صدفة تشتتني
عزفت في لهاث جارح
شاهقاً عند كل رجع خاطف
ضائعاً أخيراً
في كهوف حلمها المعتمة
مجروحاً بترقرق قوتها الخفية
بيدين مرتعشتين
على عجل
يفرش نادل كهل شرشفاً أبيض
وروباً ذا ترابيع
فوق الطاولة الحديدية العتيقة الشاحبة
قائلاً : هل يرغب السيد والسيدة
احتساء الشاي في الحديقة
( 2 )
آه لو توقفت نهداها المرتجان
للحظة فألقط بعض شظايا الأصيل
للنهاية
لهذه احتشدت متحفزاً وقاداً.
أقنع اللغة أن تؤسس حبر الخشخاش
وكان سلم
يقال له الوقت
يتكىء على اسمه
ويصمد بنوءة بنوءة
من الأجنحة يخرج الأثير
من المصادفة يخرج الحتم
لكن أيتها الشمس
ماذا تريدين مني ؟؟!
أبحث عما لا يلاقيني
باسمه انغرس وردة رياح
شمالاً وجنوياً شرقاً وغرباً
وأضيف العلو والعمق
لكن . كيف أتجه ؟
لعيني لون كسرة الخبز
وجسدي يهبط
نحو داء له عذوبة الزغب
لا الحب يطاولني
لاتصل إلى الكراهية لكن
كيف أتجه ؟! ولماذا تطفئين نورك ؟
عندما تشاهدين ظلي ؟!
سأظل حياً لمجيئك
فلا أطلع في النور
ولا أتسلق الظلام
ولن أجىء بعود ثقاب
ينير الشمعة الوحيدة
فقط
سوف أرقب خروج النور
من المشكاة
وانسلاخ النهار من الليل
سأتدفأ بين السديم
وأغيث ضياء الليل الحالك
بقصائدي اليتيمة
التي لا أمتلك سواها!!
*************
تحاول الدراسة أن تستوضح قصيدة النثر العربية ، واستجلاء النص الأدبي أيا كان نوعه بشكل عام , حيث إن التقليد سيصبح تنظيرا من منظور خاص , أما التأصيل فهو عودة إلى جذور اللغة وعلومها , لتتضح مكانة النص على المقياس الرئيس حيث إن التقليدية أصابت أدبنا العربي بالثبات والسكون وقد فطن عبد القاهر , وابن قتيبة , وابن طباطبا , وابن سلام , وغيرهم إلى ذلك , فلم يضعوا قوانين خاصة بالنقد , بل إنهم كانوا يعالجون النص من خلال الهدف منه , هل استطاع النص أن يصنع علاقة مع المتلقى أم لا ؟؟!
ولذلك أصبحت كلمات ” صناعة الأدب والشعر والنثر ” من الكلمات التي بدأ بها النقد العربي , ولم تستمر إلا فترة التماسك العربي , حتى إذا حّلت الموالى , ووسدت العروبة إلا غير أهلها , وأصبحت العلوم العربية غريبة في أرضها , وعند العودة , لم نستطع أن نلتزم بأصول اللغة حتى الآن فقد سافرت بعض العقول النقدية في فهم الآداب الأجنبية إلى غير رجعة , وحينما يتناولون نصاً عربياً فإنما يطبقون عليه ما طبقه النقاد الغربيون على أدبهم فضيعوا في الأدب العربي أكثر مما أثبتوا وآخرون تحجروا , ومن أراد التوفيق بينهما لفق منهاجاً , وهكذا أصبح حال النقد العربي , فلم يسلم إلا القلة القليلة التي لا تستطيع أن تفي بإحتياجات النقد الأدبي كله
إذا سلمنا أن النص الأدبي ( قصيدة – رواية – مسرحية – وغيرها
هو نص منتج من ألفاظ , له كلية وله أجزاء وجزيئات ، فلابد أن يكون هناك روابط بين بعضها البعض من الصغير إلى الأكبر لتنتج لنا كلية نصية فالنص عبارة عن مجموعة من العلاقات التي تجعل المتلقي في حالة شعورية يقصد إليها المنتج قصداُ غائياً وبالتالي فإن الناقد لابد أن يبحث في صحة هذه العلاقات النصية ومناسباتها مع بعضها وموضوعها وينظر الناقد كيف قدم المنتج نصه ؟
فما الخطاب الذي إلتزمه ؟
وهل استطاع النص أن يحقق غايته ؟
وكيف نستفيد من إمكانيات هذا النص ؟
وما مدى إحتياجناَ لهذا النص أو لنصوص مشابهة ؟
فمثلاً ت. س إليوت وبابلونيردا يتكىء كلاهما على تراث سردي جعل الكاتبين منضويين تحت ظل الكلمة السردية بين الخبر والعرض
ولذا فإن الكلمة عندهم جاءت في شكل علّي من خلال مقدمات ونتائج ، ولكن هذه القصائد لم تضف إلى الأدب العربي إلا وجهة نظر الأدب الأوربي التي جاءت سلبية على كثير من كتابنا الذين تركوا أكبر تراث أدبي مخطوط ومنشور
في أكبر مساحة في الأرض تصل من الصين
إلى شبه جزيرة إيبيريا , ومن وسط أفريقيا حتى وسط أوروبا وكتب فيها الأعاجم بلغة العرب لذا لا نعجب حينا نجد أن شاعرا كـأدونيس يعي معنى الشعر العربي حيث إنه أدرى بلغته من أساطين الغرب لأن اللغة العربية لها خصوصيات تصل عند بعض فقهاء اللغة إلى حد السرية فيقولون هذه من أسرار اللغة ، والتي تجعل من أدونيس إماماً لشعراء قصيدة النثر العرب ، ومن طه حسين وعبدالمنعم تليمة إمامين من أئمة النقد الحديث
حيث يمكن تناول القصيدة من خلال اللفظ العربي المرتبط برباطين , الرباط الأول : اللفظ ووجوده في التراث العربي ,
أما الرباط الثاني : اللفظ ووجوده النصي
من خلال تعالق هذين الرباطين يمكن أن ندرس قصيدة النثر في أدبنا العربي .
إن امكانية التغير والتغيير في الفهم العربي لدور الفن بعيداً عن ” أرنست منشير ” “وت . س. اليوت “ “وجيرار جنيت ” وغيرهم ممن طوروا الفكر في بلادهم , وجاء بعض أتباعهم العرب ليغيروا فكرنا العربي , هذه الامكانية
قد باءت بالفشل أكثر من مرة , ولازلنا نكرر نفس الفعل ونحصد نفس النتيجة ، إن ثقافة التغير والتحول , والتي تقاوم الثبات والجمود , لا بد أن تبدأ في بناء الذات المغيرة والمحولة , قبل نقل تجارب الأخرين المؤثرين ، إن اللغة العربية لا تشبهها لغة أخرى حيث إن لفظ اللغة عند العرب فعل وعمل ويمكن فهم ذلك من التنزيل العظيم
( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً أن تقولوا ما لا تفعلون ) .
إذا تمكنت قصيدة النثر العربية أن تتعامل مع اللغة من خلال إدراك دور اللغة الفعلي ، واستفادت من امكانات لغتنا العربية ، فيمكنها أن تكون مؤثرا في عودة الشخصية العربية إلى مكانتها الطبيعية مرة أخرى في الريادة .
وسوف تفتح قصيدة النثر دروباً جديدة للشعر العربي إذا استطاعت أن تحل معادلات النص والمجتمع والذات والموضوع والأتصال والأنفصال والفن وشبكات الترابط مما يجعل قصيدة النثر محاولة للخروج من دروب الشعر المسدودة .
Discussion about this post