Views: 129
الشاعرة
مريم كدر: تعزف،، ليل القناديل،،
بقلم الكاتب الإعلامي سعدالله بركات
مري
# طالما ردّد أغلب النقاد والمبدعين ، أن جمال الطبيعة ، مصدر إلهام وحافز بوح اليراع ، وقلّما نوّهوا إلى عامل التحدّي ، الذي يومض الشرارة وسط النفق ، حتى يقهر ظلاما، أو ظلامة ، أو يأسا يفتك بالنفس أو يكاد ..
التحدّي نعم ، بما يعنيه أو ينطوي عليه ،من طموح وإصرار ، من رؤى لتجاوز واقع وصولا إلى الهدف ، لا أعني هنا فقط تحدّي ظروف حياة ، بل معاناة الوجد أيضا ، فكما العشاق لايقنطون ، كذلك عشاق الحياة لا يستسلمون .
وهل غير الأدب يحفّز على هكذا تحدّ ،بل ويترجمه ، وما نكهة الأدب ، بلا طعم الإنجاز بإلإعجاز!
في بلدة صحراوية أنهكها قحط المناخ ، قبل أن تطالها نيران حرب الإرهاب ، ترعرعت وتعلّمت مريم كدر . في،، صدد،، التى حالت دون تصحّر العقول بمبادرات أهلية مبكرة ، لم يحل زواجها دون مواصلة تحصيلها الثانوي ثم الجامعي في الأدب العربي ، بنت عائلة رائعة ، وراحت تبني الأجيال ،وهي تمازج موهبتها التي تفتّحت عن أكمامها باكرا ، في نوع من ذاك التحدي إياه ، نعم الإصرار والطموح وراء إبداع مريم الشعري الغني بالرؤى والقيم والدلالات ، على نحو ماتقول :.
((أنا التي ما قتلني قتل…
ولا اغتالني اغتيال…
ولاكسرني انكسار..
قبل أن يسكنني الغياب
……………….
فخطف أحلامي…
وأطفأ نجومي …
ألبسني الحضور رداء السراب…))
# و لشاعرتنا ،،مريم،، نصيب كبير من اسمها ،وهو لغة ، على وزن مَفْعَل، من رامَ يريم ، ما يَرِيمُ ..، أي: ما يَبْرحُ، بينما يعني السيدة المحبوبة والملكة في اللغة السريانية. وفي صفات حاملات الإسم ، الطموح والتفوّق ، ومن معانيه الفتاة الجميلة ، والمؤمنة المحبة لمساعدة الناس ، واسم مريم ، كما هو معروف يرمز إلى الطاهرٌ والعفاف، حيث ورد في الإنجيل والقرآن بهالته القدسية ، وفي طلّة شاعرتنا البهية مسحة من وجه المريمية ، ومن حمد الله ، لي من هذا الاسم نصيب أيضا ، فوالدتي مريم وابنتنا ماريا ..
# مريم التى عاشت كابوس الإرهاب ، الذي طال بيتها ومكتبتها وما خطّ اليراع ، الشاعرة المرهفة التي تستفيق كل يوم ،على وداع شهيد أو مغترب ، راحت تجهد لفتح (مدن الفرح المغلقة ) :
((انتعلت قلبي وعبرت دروب الضياع …
أبحث عن مدائن الفرح ..
وعندما وصلت… وجدتها قد أغلقت أبوابها
فمن أغلق مدائن الفرح ؟؟!!
من أفرغ الصباح من الصباح ؟؟!!
الحياة من الحياة !!!))
# ذلك أن شاعرتنا حمّلت طموحها ، على جناح الحلم ، وهل لليراع أجنحة بلا حلم ، بل هو عندها،،جنون حلم ،، عنوان مجموعتها الاولى 2019 ، وعنوان قصيدة تصدرتها :
((نستقل الحلم …….في شمس الصباح
من عمق الجراح…..يرقص الإلهام نشوان
على وقع النشيد…..ثم نمضي ..
لنعيد…قصة الماضي السعيد….))
# حين طالها وجع غربة الأبناء ، داوته بصبر وبوح :
(( هطل صوتك………………. من سمّاعة الهاتف
كأمطار تشرين الرقيقة …… اشتقت لأغمر عطرك
لحظة اجتاحني الحنين … لعينيك ..
صار الهاتف شمسا وقمرا … عندما هطل منه صوتك))
# حتى إذا اقتلعتها رياح الغربة من بيتها ، ومن بين تلامذتها ، ومن منابر الأماسي والمهرجانات ، أخذ البوح مداه وسع الحنين ، لكنّها لم تسمح للدنيا أن تسوّدّ في عينيها ،فراح قصيدها يضيء ليل غربتها بقناديل الأمل ، بلمّ الشمل ، فرتّلت ،، ليل القناديل ،، كأولى قصائد مريم في المغترب ، أرادت عبر عنوانها المعكوس ، التوكيد على طرد عتمة ليل تكن خيارها ،لولا أنها واحد من أمرّين ،فراحت ترسل معانيها على جناح توق وبوح ، في سلاسة تعبيرية جاذبة :
((كدمع الزيت في ليل القناديل
وصوت الآه في نايٍ تحطّم
من حميم الشوق
من وجع المراسيل
………..
كغصّة عاشقٍ. ولهانَ
تقصيه ارتعاشته
وتحميه استكانته
فيرسم من حَكايا الشوق
لوحاتٍ على الجدران
تهتف( يا خليّ البال
خانتني مواويلي)
………
# تراها بساطة التعبير ، محمولة على صور بيانية ،غير متكلفة ، وعلى تتالي تفعيلتها بجرس موسيقي ماتع ، بتناوب القافية والروي ، أو تكرارها :
((تحطّم خافقي الدامي
دروبٌ بات يمشيها
وأوجاعُ يقاسيها
وألحان على أوتار
خيباتٍ يغنّيها
فتشعل جذوة الأحزان
في صمت التماثيل))
# الشاعر أديب نعمة وصفها ب ” قصيدة من شعر التفعيلة الناضجة، بنتها الشاعرة ، وبكل ثقة ، على نظام التفعيلة ، فأخذت من مفاعلتن وجوازاتها ركيزة لها، دون التطاول على الوزن والقافية التي تكرّرت بين سطر وآخر ،لمواكبة الدفقة الشعورية بصور بيانية تشخيصية لرسم لوحة المعاناة [ دمع الزيت /صوت الآه /حميم الشوق / وجع المراسيل ، وبلغة لا يطالها الوهن إنها لغة الأدباء الكبار نقاء وبلاغا وبياناً “
((سلاماً يانقي القلب
ياغيمي ويامطري
ويا شمسي ويا قمري
ومحراب ابتهالاتي
تعطّر بالشذى عمري
تخضّل بالندى فجري
تعشش في ثنايا الروح
في عطر المناديل))
وهل ثمة أروع ! من هاتيك الصور التي أشار إليها ،وقد نقشت في مكانها حفرا وتنزيلا ، فلنتخيّل إشعال جذوة الأحزان في صمت التماثيل ! وهل ثمّة أسلس من تلازم حرفي الراء والياء ، وتتالي جرسهما الهسيس ،كما تلازم الألف والنون المطلقة ، وكأنّها تحمّلها آهات توق ، فتطلقها تخفيفا للوعة فراق ، بل تشجينا بصدق عاطفة ، كانت محور النص ، ومبتدأه ومنتهاه :
((نذرت العمر قرباناً
فدى ساعات لقيانا
وأقسم سوف أسقيها
فؤاداً ذاب تحنانا
وأنسج من شغاف القلب
أثواباً لبهجتنا
وأعصر خمرة الأفراح
من عنقود كرمتنا
لأشرب نخب أحبابي
وأفتح للهوى بابي
لكي تحيا أغانينا
عل شط التراتيل))
# وأحسب أنّ القارئ يطرب لتتالي معزوفات ، على وقع رفيف يرافق القصيدة كنشيد بوح وما تكرار روي ” اللام مكسورة ” ختاما لكل معزوفة ، سوى شهقة حنين ( التراتيل ،المناديلي ، مواويلي ) تخالها سماعا أو كأنّها تريدها ،،ياويلي ،، لتزفر معها آها من مكابدة ، ما يجعلها متنفّس حسراتها ، وما يجعل النصّ كتلة من وفاء ،بقدر مافيه من صفاء ونقاء قلب و سريرة ،
فقصيدة مريم،، هذه باكورة نتاجها الواعد بالجديد ، وهي أول قصيدة لها تنشرها مجلة،، أزهار الحرف ،، في القاهرة ، فنالت نسبة متقدمة من القراءة [12800] مشاهدة، وقد اعتبر الشاعر نعمة القصيدة من عيون الشعر الوجداني وقال إلى : ” الشاعرة ؛ مريم كدر اعتلت موجة ( شعر التفعيلة ) كنمط واستلمت زمام المبادرة في البلاغة والبيان “، ونوّه بما نالته من قراءات ، فعدّ ذلك” مُؤشرا حقيقيا إلى الصدى الذي أحدثته في نفوس القرّاء أولا، وروعة النص ثانيا”
*الشاعر جوزيف إيليا ، ومع تمنياته لها بالمزيد من هذا العطاء الجميل وصف شعرها بأنّه جيد وموزون ، وقال : ” قرأت إحدى القصائد للشاعرة الأستاذة مريم كدر، فرأيتها شاعرةً مجيدةً تستحق كل اهتمام وتقدير وأكثر من تحية “..
# لعلنا هنا أمام مغنّاة شعرية ، بل ترتيلة شداها يراع شاعرة متمكّنة لغة وأفكارا، ومتشبّعة رؤى ، مرفوقة بموهبة إبداعية ،صقلتها معايشات ، و راكمتها سنون ، ومشاركات منبرية لشدو القصيد ، أونثر أريجه أمام قراء عديد المنصّات والفضاءات ، قبل وبعد مجموعتيها ،، جنون حلم ،، و،،على رصيف الحلم ،، ولعلّ ما بعدهما يشي بتحقيق ،، حلم ،، لا يفارق مبدعا ، ولاطامحا في تجاوز تحديّات تراها تتوالد، أو تراكم جديدها على القديم ،على أمل منجز بنكهة الاغتراب .