Views: 60
9شاعرة القمر والنجوم؛ لجين اسماعيل
*بقلم الكاتب الإعلامي سعدالله بركات
ومضة :
“الحياة : تعانقني بملذاتها الفانية بشهيِّ القُبل.
الماضي : أعانقهُ بوابلٍ من الحنين فالزجاج الذي لا نداريه..يجرحنا”.
*لجين
***********
الشعر : بلسمٌ لآلامي المثقلة بالشغف ، وأمّا الألم ، فترياق الحياة *، على هذا النحو الواقعي تختزل الشاعرة الصاعدة لجين اسماعيل ، نظرتها للحياة ، بل وللإبداع الشعري ، ومن منّا يظنّ أن مشوار الحياة مفروش بالورود بلا أشواك ، وقد عانى ماعاناه من تعب الحياة ، ولكنه يرغب في ازدياد!!! .
هي القابضة على جمر الألم ، وقد داوته ببوح من تحدي النفس، وأدران المجتمع ، تنفّست الشعر، بلسما و تصليبا لإرادة باتت”أقوى فتعالت عما أثخنته الجراح ..والشعر عند (لجين) هو أشبه بخيوطٍ غير مرئيةٍ تحدثنا بها عمّا لحفها من ويلات الأيام”على ماقال الشاعر سيف الدين الراعي في تقديمه لديوانها الأول،، امرأة تخطف القمر ،، وأضاف :“ولئن تدخل ملكوت الشعر عند (لجين) فهذا يعني أن عليك أن تتزوّد بالكثير من الأجنحة كي تستطيع اللحاق بخيالها والتحليق في فضاءاتها”
وحين يطالعنا الديوان بقصيدة :
(على موقد الشَّوق )
ها قد هيّأتُ لكَ
لهفتي قُبَلاً
ورتبتُ مدخلَ
قلبي
وفرشتُ التوليبَ
المشتاق
……
فلا تتأخر
أنا يا سيدي
امرأةٌ كدَّرها الأسى
كن لروحي بلسماً
…….
في عينيكَ
انبلاجُ الفجرِ
…….
في شفتيكَ
تُزهرُ السُّنون
أشعلتُ شموعَ
عمري
فمَنْ اطفأها؟؟
على موقدِ الشَّوقِ
أحترق..
……..
تعالَ سيدي ….
أشرِقْ في عمري
ثانيةً
ودع الرَّمقَ
الأخير ..
للحظتي الأخيرة
بين ذراعيك “.
حين نقرا مثل هذا ،نجد أنفسنا في محراب بوح شفيف لا من ترف ، ولا من تباه بقصيد ، ولنا في شهادة الشاعر الراعي ، دليل جديد حيث قال :”تحسّ وأنت تقرأ ديوان (لجين) أنك تحلق في سماء سطوره ،…وبدفق وجداني تستوقفك تمتمات موجعة وهديل شجي ،.فإنَّ شعر لجين جاء شلالاً يُساقطُ من علِ ..ولا يُملُ من انسياباته.
على نحو ما تقول : في قصيدة (قمرٌ على شرفتي )
مسحتُ وجهَ القصيدةِ العتيقةِ
وتفقدت الحروف..
شعرت بدفء القصيدِ
بنبضةٍ قويةٍ في قلبي
هي حروفك إذاً نبضت
تحت أناملي”
ولعل قصيدة خاتمة ديوانها ،بعنوان “التمرد الأخير”..تختزل كسرها لقيود الظلم الإنساني ،والتقاليد والعادات البالية :
“أقول لك
وأنت على قيد الرحيل
سأترك قلبك
يخرج بأمان
لا عراك..لا حراك
في خريف الاقحوان
خذ الورق..وعمري
واتركني ألوب
بأحزاني وآهاتها
في صحراء وحدتي
أعلنت التمرد الأخير”
مبكرا ،شغفت لجين بالأدب ، أخذها الشعر إلى بوح رفيف ،كما نفس صبية طامحة ، “قطعةُ حنينٍ ممزوجةٌ بالشغف ،..حين حاول الرماد إطفائي أضأتُ عمري بشعاع من لجين القمر” ، ..وها هي تلج الأدب من شتى أبوابه :”كنت في بداياتي الأدبية أميل إلى قصيدة النثر الموجزة ، وتحتوي انسيابت موزونة على نحو ما قلت ……..
،،قلبي غصنٌ أصفر ،،
………
كتبتك قصيداً
ازدان القصيدُ باسمك
أتذكر في تلك الليلة
جنب الموقدِ المشتعل
حينما اشتعل الحب فينا
واعتصرت شفتاك
خمري
……
إلاٌك أنتَ
لا يُطّيب خافقي
……..
أحنٌ لحضنك
وحين تستفيقُ
( الأنا )النائمة
أجمعُ أجزائي
وارحل
ارحلُ في المدى” .
ذلك البوح النثري ، قاد ،،لجين ،،إلى محراب القصيدة الكلاسيكية :
على نحو ما قالت في قصيدة :
.،،عطر الكلمات،،..
“للّهِ …. يا بدراً تفرَّدَ نورُهُ
ليحلَّ وجههُ في السَّماءِ بديلا
تتسارعُ النّبضاتُ في قلبِ الدُّجى
وتذوبُ أعصابُ النّجومِ قليلا
تتساءلُ الأفلاكُ والشُّهبُ التي
باتت تُبادرُ للهوى تجليلا
………
نتراشفُ الحبَّ الشَّهيَّ بقبلةٍ
أقداحُ حُبٍّ تشتهي التقبيلا”
*رياض العزة شاعر أردني، توقّف عند هذه القصيدة ،، وقصيدة :
….. عيون الورد….
نامت عيون الورد في عتباته. وتعانق العطر الشريد بحسنه
وتأنقت وتلألأت نظراته. وتورد العشق الحبيس بغصنه
وتزيّن الليل الأنيق بثوبه. فسواد ليل قد بدا في عينه
……………..
بستان وردك قد تغاوى عطره. فتسابق الثغر المثار ليجنه
ونوّه بتعابير متميزة مبتكرة من شاعرة مقتدرة فقال :” هاتان رائعتان من روائع الشاعرة المبدعة لجين إسماعيل _ وأنا أجد عندها تفردا وعذوبة في الألفاظ وابتكارا في المعاني، تأتي معززة للمضمون ومتفقة معه ؛ كما نلاحظ في قصيدة عطر الكلمات ؛ أراها قد جعلت من الكلمات ورودا يتضوع عطرها الفواح ؛ وفي قلب الدجى الذي تتسارع فيه نبضاته ؛ إذ جعلت للدجى قلبا ينبض ؛ وللحب أقداح تشتهي التقبيلا _ أنّه لتميز وتفرد ، وفي ،،عيون الورد،، تزين الليل الأنيق بثوبه ، على هذا النحو من التألق الشعري اللجيني .”
*الشاعر أديب نعمة، يذهب إلى تحليل اسم ،، لجين،، لغة :” ويعني ماء الفضة أو الفضة التي تلمع ، ولجين شاعرة ، صاعدة واعدة وهبها الله موهبة شعرية فذة ، تلمستها مبكرا وراحت تترجم أحاسيسها، إلى أشعار وجدانية ، ما لبثت أن تلألأت -مصحوبة بثقافة أدبية واعية – بقصائد زينت صدور المجلات والملتقيات الادبية ، فاستطاعت برشاقة أسلوبها ،وعفوية تعبيراتها أن تصل إلى أشغفة القلوب،”
،،قطعة سكر ،،
“تعال أخطّ إليك بقلبي. وأصنع ورداً بلون العيون
…..
تعال حبيبي على جنح حب. يطير ويضرب ريح المنون”
د.م. اسامة حمود ، شاعر وناقد سوري ، يقول :”في قراءتنا ،تجربة لجين اسماعيل القادمة من واحة النص النثري إلى عوالم الشعر الموزون، نرى توظيفًا مميزًا للصورة الشعرية والانزياح ، فنراها تقول في قصيدة (عطر الكلمات) عبارات من قبيل: تذوب أعصاب النجوم، وتأنقت أزهار عشقي،.
وفي قصيدة (شذرات عشق): أبكي على غضبي المخنوق، قم يا صباح توضأ من محاسنهم،..
…..شذرات عشق….
” في القلب مسكنهم بالنبض قد نزلوا
والعشق يرفعهم و الشوق يستعر
أبكي على غضبي المخنوق منتحرا
كأن قلبي إليه اليوم يُختصرُ
قم يا صباح توضّأ من محاسنهم
في حضرة العشق لا شمسٌ ولا قمرُ
لِمَ الملامةُ يا عُشَّاقَ ديرتنا
هذا الحبيبُ إليه القلب والنّظرُ “
وفي قصيدة (قطعة سكر): وأصنع وردًا بلون العيون، دويًّا يهز شراع سكوني..
وفي قصيدة (حديث الصور) : متى الليل من مقلتيك انهمر، ففيك اشتعال الحنين صلاة..
…….حديث الصور…….
تذوب النجوم ويفنى القمر
يطير النعاس ليحلو السهر
وتأتي لحضني كحلمٍ قديمٍ
بما لامست راحتاك الصور
يغار المساء ويخفي جمالا
متى الليل من مقلتيك انهمر
وأرمي بشوقي على بعض حُبٍ
على بعض قلبٍ إليك انفطر
ففيك اشتعال الحنين صلاة
وفيك الشتاء ومنك المطر”
كل هذا وأكثر من أنسنة الكلمة وتوظيف انرياحاتها لخدمة النص الذي يرقى بعتباته المختلفة ، بدءًا من العنوان الذي تنزله لجين من برجه العاجي ، ليتكامل مع النص مرورًا بمتن النص الشعري الزاخر بالدهشة، وصولًا إلى القفلة التي تتمم حالة الإدهاش المشغولة في العتبات الأخرى”
و ،،لجين ،، تبوح عبر الحوار برؤى وأفكار شاعرية على نحو حواري معها الذي ، لفت الشاعرة ،، رولا مرهج،، بقولها :”سلط الضوء على موهبة مميزة بأسلوب جميل ..والضيفة لجين عبّرت عن موهبتها بطريقة عذبة ،باستخدامها أسلوبا أدبيا أضفى جمالية على الحوار ،وزاد من تألقها ، ولا بدّ للإشارة إلى مهارة المحاور الإعلامي سعدالله التي تبدّت في مجريات الحوار ، وطريقة طرحه للأسئلة ، وكانت شاملة وافية “
ومن محاسن الصدف ، أن الحوار نشر(*) عشية توقيع ديوان لجين الأول في نادي أصدقاء اتحاد كتاب طرطوس ، واستحضرت معه الحوارات الأدبية الماتعة التي أجريتها مع ( نخلة بغداد ، د. جليل البيضاني ، أديب نعمة ، د. احمد الخطيب ،زيتونة اللاذقية ، د. اسية يوسف ، عنقاء الياسمين ، هدى عبد الغني ، منيرة احمد ، نازك مسّوح ونعمى سليمان ،ود. جودت ابراهيم، د. راشد عيسى ، شاعر أردني )،وتضوّع منها عبق تعبير أدبي مكثف الدلالات ،وسلاسة شاعرية تنمّ عن ملكة فكرية ولغوية لافتة عندهم كما عندهن .
ومجددا ، طرقت لجين باب الومضة بنوعيها ، وهي تراها “أكثر الأنواع الأدبية دقة، كون الومضة ، قصيرة جدا ، وبوح مكثف نثرا؛ على نحو قولها :”
١- كالنجوم تتقد ولا تحترق هو قلبي ..كلما نظرت إليّ .
٢- سأتبع طريق النجوم علني أصل إليك يا قمري
٣- كنت أبكي حينما انهمرت عيناك على الورق..
٤- تفكك الوقت من الوقت وفرطت مسبحة النوى فيا سعدي. .
أو شعرا :
“ونومٌ داعبَ الأجفان حتى …طواه الموت في طلب شديد” …
*لجين
# بقلمي سعدالله بركات
====
*اقوال الشاعرة من حوارها مع كاتب السطور ، ونشر في مجلة ،،أزهار الحرف ،، ١٠ حزيران ٢٠٢٤ .
*******************
..
: