Views: 5
حوار مفتوح مع زرقاء اليمامة :
****** *******************
طا ب صباحك يازرقاء ، ياذات العينين الزرقاوين الجميلتين ، فعلى الرغم من أن بيني وبينك أكثر من ثمانية عشر قرنا …فإن العواطف الإنسانية واحدة ، والحوار رغبة عميقة في النفس البشرية ، ولا يعرف للزمن حدودا . واسمحي لي أن أوجه لك أسئلة تتصل بجوانب حياتك المختلفة .
س١ — هل أنت شخصية حقيقية أم شخصية أسطورية نسج الرواة قصتك واضيفت إليها تفاصيل كثيرة في العصور اللاحقة ؟
ج١– انا شخصية حقيقية عشت في القرن العاشر قبل الهجرة ، وقد دخلت إضافات كثيرة على قصتي اخترعها الرواة ، أو زادوا في تفاصيلها ، ومنذ ذلك الوقت وأنا مادة للرواية والشعر والأسطورة.
س٢ —اعرف انك عشت في العصر الجاهلي ، وانك ولدت في اليمامة من أرض نجد في شبه الجزيرة العربية ، وانك من قبيلة (جديس) ، ولكن المعلومات متضاربة حول تاريخ الفترة التي عشت بها ، رغم أنه لك في كتب التاريخ شهرة واسعة ، قلما نالتها.امراة جاهلية أخرى .
ج ٢— صحيح أنني من قبيلة (جديس) ، وتزوجت من قبيلة (طسم) ، والقبيلتان كانتا مقيمتين في منطقة ( جو ) التي احبها كثيرا ، وعملت طول حياتي على أن تكون قبيلتي( جديس ) عزيزة ورفيعة المكانة . أما الفترة التي عشت بها فقد ذكرتها لك قبل قليل . .
س٣ _ ماقصتك يازرقاء تماما في موضوع البصر الحاد ؟
ج٣ — نعم . رزقت حدة البصر ، وانا قادرة على رؤية الأشياء بتفاصيلها على مسافة تحتاج إلى ثلاثة أيام لقطعها . وقد قدمت بذلك خدمات جلى إلى قبيلتي، فكنت أرى من بعيد جدا الغزاة الذين يريدون استباحة قبيلتي ، وأحذر قومي منهم حتى لايؤخذوا على حين غرة ، فيتهيؤون للدفاع عن أنفسهم ويهزمون الغزاة . وبذلك اصبحت في قومي ذات مكانة مرموقة ، يأخذون استشاراتهم مني في أمور عديدة ، وكلها كانت سديدة .
س٤ — ولكنهم خالفوك يازرقاء في المرة الأخيرة ، هل يمكنك الإضاءة على ذلك ؟
ج ٤– نعم ، هذا ماحصل ، فقد رأيت على مسافة بعيدة أن أشجارا تتحرك من مكانها متجهة نحو قبيلتنا لغزوها ، واخبرت قومي بذلك ، ولكنهم رفضوا تصديقي ، وكان (حسان بن تبع الحميري) قد خطط لغزو بلادنا ، وبما أنهم يعرفون أنني سأكتشفهم ، فقد دبروا مؤامرة خبيثة ، حيث حمل كل من رجالهم المهاجمين شجرة للتمويه ، واخبرت قومي أن أشجارا كثيرة تتحرك ، ولكنهم تجاهلوا تحذيري ، واستخفوا بالأمر ، حتى إذا جاء الصباح تبين أن الأشجار للتمويه فقط ، فأغاروا على القبيلة ، وقتلوا منها كثيرا ، وغنموا مالدينا ، وسبوا نساءنا ، أما أنا فقد فقأ قائد جيشهم عيني حتى لااعود للرؤية بهما .
س٥ — هل انت يازرقاء متنبئة ام كاهنة ام ذات بصر حاد فقط ؟
ج ٥ — لست متنبئة ، وعملي يختلف عن ذلك ، فأنا لاازعم التنبؤ بالغيب ، كما أني لست كاهنة استخدم السجع المؤثر في الأذهان ، بل انا مجرد امرأة ذات بصر حاد ، أستطيع به أن أرى الأشياء البعيدة ، ربما لايصدقه الكثيرون ، مع انني أخبرت قومي عن وقائع كانت صحيحة تماما .
س ٦–هناك من يتهمك يازرقاء انك حاولت قتل النبي محمد وهو جنين في بطن أمه ، بأن اغريت ماشطة والدته ٱمنة بنت وهب بقتلها ، على أن تعوضي لها ذلك من أموالك .
ج٦– ليس هذا صحيحا ، فهذه الفترة جاءت بعد أكثر من مئتي عام من وفاتي ، وبالتالي فإن هذه الرواية من الإضافات التي أخطأ بها المؤرخون والرواة .
س٧ _ كنت يازرقاء فيما بعد قد أصبحت مثلا ، فيقال ( أبصر من زرقاء اليمامة ) ، كما أن شعراء عدة وجدوا في قصتك التي كانت نهايتها درامية حزينة ، منصة للحديث عن وا قعنا المؤلم ، ومنها قصيدة الشاعر الكبير امل دنقل ( البكاء بين يدي زرقاء اليمامة ), كما أنه تم إخراج قصتك مسرحية في المملكة العربية السعودية . ماذا تريدين أن تقولي في ذلك يازرقاء ؟
ج٧ — اريد ان اقول إن قومي ركبوا رأسهم وتجاهلوا خبرتي وطاقتي على الرؤية الحادة ، وكان يمكن أن ينجوا من الهلاك لو أنهم أخذوا الاحتياطات المناسبة ، واعتبروا بالاحداث التاريخية الأخرى المماثلة . فهم رغم تحذيري لهم ونداءاتي المتكررة ، استمروا في التخاذل والاستهانة بتحذيراتي لهم ، ولم يأبهوا بذلك ، وكانت النتيجة انهم دفعوا ثمنا غاليا جدا .
“””””””””””””””””””””””””””””””””””””””
أما قصيدة الشاعر الكبير أمل دنقل
( البكاء بين يدي زرقاء اليمامة)
فأثبت الٱن بعض مقاطعها الرائعة جدا ، وهي تحفة فنية تعد من القصائد الاكثر تذوقا وانتشارا.
ايتها العرافة المقدسة
ماذا تفيد الكلمات البائسة ؟
قلت (بكسر التاء) لهم ماقلت عن قوافل الغبار
فاتهموا عينيك يازرقاء بالبوار
قلت لهم ماقلت عن مسيرة الأشجار
فاستضحكوا من وهمك الثرثار
وحين فوجئوا بحد السيف…قايضوا بنا
والتمسوا النجاة والفرار
ونحن جرحى القلب ، جرحى الروح والفم
لم يبق إلا الموت والحطام والدمار
وصبية مشردون يعبرون ٱخر الأنهار
ونسوة يبقين في سلاسل الأسر
وفي ثياب العار
مطأطئات الرأس لايملكن الا الصرخات الناعسة
وأنت يازرقاء وحيدة عمياء ..
وحيدة عمياء .