Views: 3
من حقيبة ذكرياتي
– ١٧ –
—
فنّ الحديث
—
أذكر أنّه قد طلب يومًا أستاذ الخطابة من دارسي علم اللّاهوت في كليّة اللّاهوت الإنجيليّة بالقاهرة في عام ١٩٩٠ خطبًا عن ضرورة تهذيب اللّسان وضبطه وحينما جاء دوري لإلقاء خُطبتي جئتُ بها شِعرًا فقلت :
في الحديثِ المُبتغى كن جميلا
فالجمالُ المُشتهى أنْ تقولا
واحذرِ البُخْلَ هنا ليس حلوًا
في حديثٍ أن تكونَ بخيلا
إنّما اخترْ منهُ شيئًا مفيدًا
نافعًا يشفي ضعيفًا عليلا
يصطفيكَ النّاسُ إنْ كنتَ فيهم
ساحرَ الّلفظِ تراعيْ الأصولا
تُخرجُ الدُرَّ من الثّغر أزهى
ساحقًا فيهِ الضّجيجَ الثّقيلا
فالحياةُ المبُتغاةُ هدوءٌ
صوتُهُ فيها يظلُّ دليلا
فاجتنِبْ قولَ الّذي لستَ تدري
إنّهُ ينشرُ جهلًا وبَيلا
وابتعدْ عن سوءِ لفظٍ لكي لا
تجنيَ السّوءَ وقالًا وقِيلا
كن لطيفًا غيرَ فظٍّ فتربحْ
فالّلطيفُ السّهلُ يسبيْ العقولا
لا تقاطعْ إنْ أردتَ المعانيْ
راجيًا نحو السّمّوِ الرّحيلا
واختصِرْ حتّى ولو قلتَ وحيًا
فهْو عيبٌ فاضحٌ أنْ تُطيلا
واستمعْ في دقّةٍ وانشراحٍ
إنَّ هذا كان فنًّا أصيلا
تاركًا لغْوًا مُعادًا ففيهِ
نحوكَ الخِلُّ أبى أنْ يميلا
واكتمِ الشّكوى إذا شئتَ عزًّا
لا تكن فيها قبيحًا ذليلا
وحذارِ الفخرَ دعهُ ليأتيْ
من غريبٍ ذاك يبقى طويلا
لا تُدِنْ شخصًا وأنتَ مُحاطٌ
بعيوبٍ وتبصَّرْ قليلا
لترى نفْسَكَ حينًا قويًّا
تشتهيْ المجدَ وحينًا هزيلا
اللّسانُ النّارُ تبني جحيمًا
إنْ مضى للطّهرِ منهُ مُزيلا
ليتكَ الآنَ تُربّي لسانًا
لستَ فيهِ قاتلًا أو قتيلا
—
القس جوزيف إيليا