Views: 3
الضاد الجميلة
في الشعر . .
المطالع و المقاطع ودورهما في اكتمال و جمال القصيدة
يرى كثير من النقاد و الشعراء العرب انه لا بد ان تتوافر في القصيدة العربية عددا من المبادئ و الأمور التي كانوا يعتبروتها جوهرية في بناء القصيدة العمودية .
من أهمها ماسموه
المطالع و المقاطع
وهناك من يضيف ايضا ما يسمى
التخلص .. ثم الخاتمة
فما هي هذه المبادئ
يقول ابن رشيق في كتابه
العمدة في محاسن الشعر و آدابه
اختلف أهل المعرفة في المقاطع و المطالع .. فقال بعضهم ..
هي الفصول والوصول بعينها .. والمطالعةاوائلها
وهذا القول هو الظاهر من فحوى الكلام .. و الفصل .. .. هو آخر الجزء من الفصل الاول .. وفي العروض ايضا .. و الوصل هو اول جزء يليه من الفصل الثاني .
وقال البعض ..
المقاطع ..هي منقطع الابيات .. وهي القوافي .
الا اننا نرى هنا ان المقصود هو كيف ينتهي البيت بقافيته المتمكنة .
ومن اجمل ما قرات من مقاطع .. قول التهامي
ولقد تشكو .. فما افهمها … و لقد أشكو .. فما تفهمني
غير اني بالجوى اعرفها … وهي ايضا بالجوى تعرفني
اما .. المطالع
فهي أوائل الأبيات .. وهي ما يطلق عليها .. الديباجة ..
فكلما كانت الديباجة جيدة ..تكون القصيدة متكاملة .
يقول ابن طباطبا في كتابه .. عيار الشعر
و الشعر .. ان عري من معنى بديع .. لم يعر من حسن الديباجة .. و ما خالف هذا فليس بشعر
ويقول ..
ومن أحسن المعاني و الحكايات في الشعر .. و أشدها استفزازا لمن يسمعها .. الابتداء بذكر ما يعلم السامع له .. الى اي معنى يساق القول فيه قبل استتمامه .. و قبل توسط العبارة عنه . والتعريض الخفي للذي يكون بخفائه .. ابلغ في معناه من التعريض الظاهر الذي لا ستر دونه .
و لعل اكثر من اشتهر بحسن ديباجته .. النابغة الذبياني ..فكان يعتبره الكثيرون أشهرهم ديباجة .
وفيما يتعلق بالمقاطع
يقول أسامة بن منقذ
ينبغي أن يكون مقطع البيت حلوا .. و احسنه ما كان على حرفين اثنين .. كقوله
منها بها .. حطه السيل من عل .. وليلة معا .. وتغربف الاحبة من غد .. الخ .
كقول النابغة الذبياني
لا مرحبا بغد و لا أهلا به … ان كان تفريق الأحبة في غد
و كقولي في مطلع
سئمت دهري و بات العقل في ريب … كأنما الدهر يوما كان يهزأ بي
او كقولي
تلك آبائي سموس نجب … دوخوا الدهر و انت ابن من
فتواريت و دمعي نازف … ببقايا من شظايا الوطن
و غضضت الطرف عما سألت … لست ادري الفخر فيهم بمن
و يستشهد بكلام بعضهم
من معشر يتخيرون كلامهم … حتى كأنهم تجار الجوهر
وبتابع
ومنه أن يكون آخر البيت حرف لا بحتاج الى اعراب .. كواو او ياء صليبان .. او ياء اضافة .. او ياء جماعة .
كقوله
صحا القلب من سلمى و قد كان لا يصحو
او الفاصلة تكون لائقة بما تقدمها
كقوله
هم البحور عطاء حين تسألهم … و في اللقاء اذا تلقاهم بهم
ويقول قدامة بن جعفر في معرض ذكره الترصيع ..
هو أن يتوخى الشاعر .. أن يجعل مقاطع الأجزاء في البيت على سجع .. أو شبيه به .. او من جنس واحد في التصريف .. فيكون بذلك اشار الى ان المقاطع .. هي أواخر الاجزاء
اي بمعنى ان ينتهي مقطع الجملة متوازنا مع انتهاء التفعيلة التي تلازمها
اقول من قصيدة بعنوان
سيمفونية الطبيعة و الحياة
وبسمة ثغر .. و نفحة عطر … وبرعم زهر .. و حلم نضر
نلاحظ
وبسمة ثغر .. جاءت على وزن .. فعولن فعولن
ونفحة عطر .. على وزن فعولن فعولن
و برعم زهر .. فعولن فعولن
وحلم نضر .. فعولن فعل
هنا نلاحظ مدى الانسجام بين نهاية المقطع وما فيه من سجع .. مع تفعيلات البيت فعولن فعولن .. ونرى كيف تم الانسجام بنهاية المقطع مع نهاية التفعيلة .
وقد نجد في الشعر المرصع ما يكون سجعه في غير مقاطع الاجزاء .. كقول ام معدان الاعرابية في مرثية لها
فعل الجميل و تفريغ الجليل .. واعطاء الجزيل الذي لم يعطه احد
فالسجع في هذا البيت هو حرف اللام المطردة في ثلاثة امكنة منه .. الا ان آخر الاجزاء التي هي المقاطع .. جاءت على شريطة الياء التي قبل حرف اللام .
نلاحظ
فعل الجمي .. على وزن مستفعلن
لوتف .. على وزن فعلن
ريغلجلي .. مستفعلن
لواع .. فعلن
بمعنى ان التفعيلة لم تكن متوازنة او منسجمة نع نهاية المقطع .
وهناك من الناس من يزعم أن المطلع و المقطع .. هو اول القصيدة وآخرها .. لذا نجد جهابذة النقاد .. اذا وصفوا قصيدة قالوا
حسنة المقاطع .. جيدة المطالع
ويعني ذلك ان يكون مقطع البيت وهو القافية متمكنا غير قلق .. و لا متعلقا بغيره .
وكان شبيب بن شبة يقول
أنا موكل بتفضيل جودة المقطع و بمدح صاحبه .. وحظ جودة القافية وان كانت كلمة واحدة .. أرفع من حظ سائر البيت او القصيدة .
والمطلع .. وهو اول بيت .. جودته أن يكون دالا على ما بعده .. وهو ما يسمى بالتصدير وما شاكله
والشعر .. اوله مفتاحه
وعلى الشاعر ان يجود ابتداء شعره .. لأنه أول ما يقرع السمع .. ومنه يستدل على ما عنده من اول وهلة .
اما ما يسمى بالخروج
و يسميه البعض
التخلص
هو عند البعض شبيه بالاستطراد .. و ليس كذلك
والخروج ان تخرج من نسيب الى مدح او غيره .. بلطف نحيل و سلاسة .. ثم تتمادى فيما خرجت .
فمن قصيدة اقول قاصدا الشاعر
اغوته احلام الصبا و لربما … جمح الخيال به فصاد الأنجما
لعبت بهن يد الزمان وطالما … ملك الزمان عنانه وتحكما
ينظر كيف تم الانتقال من التحدث عن الشاعر وعن احلامه الى الحديث عن معارضة الزمن له و التحكم بمصيره قالبا له ظهر المجن .
وقد تم ذلك بسلاسة و نعومة و يسر
وهذا هو ما يسمى حسن التخلص او الخروج
يقول اسامة بن منقذ
اعلم أن التخلص و الخروج ان يكون في بيت واحد .. وهو شيء ابتدعه المحدثون دون المتقدمين .
ومن أحسن الخروج في العرب قول زهير يمدح هرم بن سنان
ان الجواد ملوم حيث كان و لكن الجواد على علاته هرم
و للبحتري
قد قلت للغيث الركام و لج في … ابراقه و ألح في ارعاده
لا تعرضن لجعفر متشبها … بندى يديه فلست من انداده
وقيل لبعض الحذاق بصناعة الشعر
لقد طار أسمك و اشتهر .. قال
لأنتي أقللت الحز .. و طبقت المفصل .. و أصبت مقاتل الكلام .. و قرطست نكت الأغراض بحسن الفواتح و الخواتم .. و لطف الخروج الى المدح و الهجاء .
اجل لقد صدق وهذا هو السلوك الشعري الصحيح .. وهءا هو سلوك الصنعة الشعرية السليمة .
ذلك ان حسن الافتتاح داعية الانشراح و مطية النجاح .. وان لطافة الخروج الى المديح .. سبب لارتياح ااممدوح .. كما يقول البعض
وان خاتمة الكلام ابقى في السمع والصق بالنفس .. فان حسنت حسن .. وان قبحت قبح
ولا بد الشاعر من ملاحظة ما يلي وهو ما أكده النقاد العرب
فعلى الشاعر ان يتجنب بعض الاحرف ز الالفاظ
مثل
ألا .. خليلي .. صديقي .. حبيبي .. قد ..
فلا يكثر منها
وهذا يعتبر بعضا من الحشو .. الا اللهم اذا كانت اللفظة في محلها .. والا كانت احدى نقاط الضعف .
كقول امرئ القيس
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
لقد جاءت لفظة حبيب ..في محلها تماما
وأشير .. انني كثيرا ما كنت أقوم بمحاسبة المشارك في السجالات الشعرية لايتعماله لفظة يا صديقي او يا اخي ..
و انا رئيس لبعض لجان التحكيم .
و اشير ايضا
هناك العديد من الالفاظ تسيء للبيت مثل لفظة .. ايضا .. فهي ما دخلت بيتا الا أفسدته .. الا اللهم ان تكون في محلها
ويقول النقاد العرب ان على الشاعر التحفظ دائما في مديحه .. فهو منجاة من الزلل
دخل جرير على عبدالملك مادحا فانشده
اتصحو .. أم فؤادك غير صاح …عشية هم صحبك بالرواح
فصاح به عبدالملك
بل فؤادك يا ابن الفاعلة ..
بالرغم من ان جرير يقصد بالبيت نفسه و ليس عبدالملك
وهذ ما حصل لأبي النجم مع هشام بن عبدالملك
و الشمس قد كادت و لما تفعل …كانها في الافق عين الاحول
وكات هشام احولا .. فأمر به فحجب عنه مدة . وكان من خاصته
أما الانتهاء .. او الخاتمة
فهو قاعدة القصيدة و آخر ما يبقى منها في الأسماع .. و سبيله ان يكون محكما لا تمكن الزيادة عليه
واذا كان اول الشعر مفتاحا له .. وجب أن يكون الآخر قفلا عليه
يقول أسامة بن منقذ في كتابه
البديع في البديع في نقد الشعر
وكذلك ينبغي أن تكون اواخر القصائد . حلوة المقاطع ..توقن النفس بانه آخر القصيد .. لئلا يكون كالبتر
و يستشهد بقول تابط شرا
لتقرعن علي السن من ندم … اذا تذكرت يوما بعض أخلاقي
أجل ما اروع هذا البيت ان يكون خاتمة
ولا بد من القول اخيرا
ان ابا الطيب اربى على كل شاعر في جودة هذه المبادئ التي تحدثنا عنها
ومن الشعراء من يختتم قصيدته فيقطعها و النفس بها معلقة .. و فيها راغبة مشتهية .. و يبقى الكلام مبتورا .. كأنه لم يتعمد أن يجعله خاتمة .
…
خالد ع . خبازة