Views: 5
دولاب أمّي –
طفولة …
*سعدالله بركات
في دار من طين وخشب عتيق ، لمعيشة فلاّح ، وحارة فيها الأزقّة تضيق ، فلا نافذة ، ولا خرم إبرة لشعاع شمس في غرفيتها ، يوم لا نور إلاّ سراج يزيد الجوّ بالخنيق ، هنا ولدت وفي ضنك عشت ، كافحت واجتهدت حتى وجدتني على الدنيا وعالم آخر أستفيق .
لم يكن امامي غير دار المعلمين ، لراتب يفوق الثمانين ، حتى إذا باشرت التعليم براتب شهري 240 ليرة مطالع السبعينات ، ومع تكفّلي بإعالة الأسرة ،بادرت لانتشالها من تلك الدار، ، وبحماس ( دولاب أمّي ) وتجدّد (نول أبي ) تمّ بناء دار طينية سقفها خشب وبعضه من الدار القديمة ، ولكن بنوافذ وأبواب اشتريناها من سوق الأنقاض، تلفّ حولها الشمس مدى النهار ، و وأنا أزاوج الدراسة مع العمل .
فعن أيّ طفولة أتحدث؟ الملعب ساحة الحارة، للعبة – الغميّضة – التخفّي ،فلا طابة ولامن يحزنون….ولا حلوى غير زبيب العنب البيتي ، وغير قطعة (المسكة) من دكان \ الآغا مواس \ مقابل بيضة، إذا تكرّمت الوالدة بواحدة من بيض الدجاج ، الذي يجمع لمائدة الضيوف ،أو يباع لسدّ حاجات البيت ، خرجية الفرنكات عرفتها من أخي المتطوع في الجيش ، حيث بتّ أنتظر إجازاته وكانت أغلبها يأتيها بالدرّاجة من بلدة البريج غربي صدد\20\كم ، وكذلك العيديّة من أخوالي .
أما الغذاء الفاخر فخبز التنور صنيع أمي في استراحة دولابها ، وما أطيبه ، من القمح الذي كان يخزّن لسنوات الجفاف ، وللحقيقة لم نعرف خبز الشعير ، أمّا البرغل فمن مونة المحصول السنوية ،غير أنّ خضار و فاكهة الصيف ،كانت كافية وشهيّة من كرومنا المرويّة من (عين البلدة ) جنوبا و قناتها الرومانية شمالا – قبل أن يصبحا أثرا بعد عين – ، فاكهة الشتاء برتقال يزورنا عندما يبيع أبي العباءات أو يستلم مايرسله في كل عيد عمي (أخيه من أمّه) من مهجره الأمريكي ، فيكون العيد حقيقيا بلباس أو غرض جديد للبيت..!.
في طفولتي المبكّرة ، أصبت ب ” النكاف ، أبو كعب ” رافقه أو أعقبه التهاب أذني اليسرى ، ما أفقدني السمع بها نهائيا ، حيث لاطبيب ولا أجرته ، ومن تداعياتها نقص سمع في اليمنى ، لكنّ د. عبد ، ومن دون تخطيط سمع ، لم يعفني من الخدمة الميدانيّة .
بسبب شح الموارد ،اضطّرّ والدي إلى الذهاب مع غيره من رجال البلدة للعمل ،ليس بأجر وإنما على الإنتاج ، في الحسكة – منطقة الشدّادي في مزارع القطن لأل كنعو، ولعدم الخبرة ذهب جهدهم سدى ، وعاد والدي مريضا ومدانا مع رفاقه بثمن البذار وتكاليف السقاية ، وأذكرفي يفاعي أن رجلا من آل كنعو جاء إلى صدد لتحصيل الديون، لكن والدي الذي استدعي أولا باعتباره المسؤول عن رفاقه ، أقنعه ببساطة بأن يعود عن الفكرة لسوء الحالة المعيشية ،ويعرف عن والدي تمتّعه بحكمة وظرافة ، ويحكى عنه المبادرة للمصالحة بين الناس ، والرأي المقنع ، وفيما سمعت تكرارا ومن غيره أنّ –الآغا سويدان ،أرسل من مقره في بلدة (ح غربا) من يجمع له مساعدات لشراء بلدة – طفيل- اللبنانية ، ولمّا جاء مع دليله لعند الوالد ، وهو يحوك في نوله ، قالا له:(( إن الآغا في ضيقة مادية لشرائه قرية طفيل))، ردّ والدي على الفور:(( ليش يشتري ويضايق حالو- حاله – ويضايقنا))، ومن دون نقاش ،وعلى عجل ودّعاه ، ليقطع رسول الآغا مهمته ويبّلغ ماسمعه للآغا ، الذي أثنى على عودته سريعا لفهمه ماتنطوي عليه عبارة الوالد من دلالات عن أيام معيشة الناس وأيامهم الحالكات .
- كاتب سوري- أمريكي
***************************