Views: 5
دولاب أمّي – ٩ المدرسة……….
*بقلم سعدالله بركات
الوضع المعيشي الصعب ،لم يحل دون تعلّمي ، وقد واكبته بجد مع العمل ،منذ الصغر حتى في تحصيلي الجامعي ، وبسبب العمل ، لا أذكر أني استلمت جلاء مدرسيا مع زملائي، ولكنّها الرغبة وتشجيع الأهل،ولئن كان لذلك معاناته ، فلعلّه كان حافزا على الاجتهاد وتحديّ الظروف … ، أبي من مواليد ًمطالع القرن 20، لم أعرف من جيله أميّا ، فالبلدة رغم فقر الحال ،اهتمّت مبكّرا بتعليم الذكور ومحت أميتهم ١٩٥٠ قبل أن تمحو أمية النساء بنحو عقد من الزمان (١٩٥٩) ، كان والدي قارئا لما يقع عليه، وخاصة الكتاب المقدس ، كما كان مجالسا محبوبا ، روّاد التعليم ، يلفتهم باستيضاحاته ومجالسته ، لا سيّما الاستاذ تامر كان من حفظة القصص الشعبي ، يطلب سماعها منه في سهرات الشتاء ، وقد أتقن أدواره حفظا أو خروجا عن النص في بطولة تمثيليات جمعية (نور الإيمان) التي تولى أمانة سرّها لسنوات، قبل إلغائها في الستينات بغفلة من المعنييّن، كما وكان صاحب نكتة ومعروفا بإتقانه الفصحى لغة ، كان يهتمّ بخط رسائله على مهل ، لقد رحل رحمه الله وهو يوصيني بإتقان الخط ولطالما ردّدعلى مسامعي : (هم 28 حرفا ،كل يوم إتقن كتابة حرف ) ، لكن ظلّ خطّي بعيدا عن الجمالية ،وإن بات واضحا مع الضرورة لعملي المهني اللاحق ، ما زادني حسرة لعدم إنجاز وصيّته.
ولعلّ اهتمامات الوالد جعلته -على ضيق الحال- الوحيد في الحارة يقتني( راديو) مذياعا جميلا – مازلت أتحسّرعلى ضياعه !! وهو بحجم وسط على بطارية وازنة وأنتيل على السطح ، حسم ثمنه من أجر حياكته البسط ، كان يقرّبه من نوله ويتابع ما يذاع ، وهل أنسى يوم صار باب دارنا ملتقى الجيران ، لسماع برنامج (مضافة ابو محمود) من إذاعة عمّان الأردنيّة!
وتشجيع الوالدة و دولابها ، فلحسرتها من أميّتها ، ولطالما ردّدت أنها كانت شاطرة (صف أول أو ثاني) و((ياريت كنت متعلمة لكنت .. وكنت )) ، هي معروفة بالحفظ الشفاهي ،وتوليف أهازيج الفرح حسب المقام ،وبالقول( النواح على الراحلين ) .
أما تشجيع أخي الأكبر فليرى فيّ ما فاته ، من رغبة بالدراسة ، اضطّرّ لتركها بعد الشهادة الإبتدائية ، لمساعدة الوالد في العمل، قبل أن تقوده خدمة العلم للتطوع في الجيش ،وقد حرص على عدم تكرار المشكلة مع أخينا الأوسط فأصرّ على دراسته في الثانوية الخاصّة .مع ضيق الحال …
دخولي المدرسة ، كان مبكرا في روضة للدير وبرسوم زهيدة، كان بناؤها جميلا وإن كان طينيا ، والدير القريب من دارنا وسط البلدة ،ومن أسف أن هذه المدرسة أغلقت بعدما توسعت للصف السادس في بنائها الحديث غربا فقد كانت تهتم أيضا باللغة – الفرنسية .
دراستي مرحلة الابتدائي ،كانت ميسّرة في المدرسة )الحكومية ، غربا ، كانت مدرسة البنات شمالها مستأجرة ، ووجودها آنذاك دلّ مبكرا على تنوّر الأهل وإن كلّ المعلمات من خارج البلدة .
كنت محبوبا من أغلب أساتذتي لاجتهادي وعدم مشاكلي ، وخاصة المرحوم –أبو مروان – معلّمنا في الصفّ الأول الذي كان يمتد حني في مجالسه ، تجا وزت المرحلة الإبتدائية ب(جلاءات لافتة ) ، ولكن كيف أنسى الكفّ على خدّي الذي كان من نصيبي من المدير، وذلك من بين مجموعة كنّا نمرح في رواق المدرسة خلال الاستراحة ، كنّا نخافه ولكن احترامي له ولغيره من معلميّ وأساتذتي نما حتى الصداقة مع تفتّحي على الحياة وكنت حريصا على تكريمه وبعض روّاد البلدة .
ومن بداية الصف السادس في الغرفة الشرقية بجانب الإدارة ، مازالت في الذهن أحاديث أستاذنا الشيخ عن أهميّة الوحدة العربية ، وعن مآرب انفصال 28 أيلول 1961، لوحدة سورية ومصر التي طالما أنشدنا لها كنواة للوحدة العربية ، فإذا هي حلم يبتعد !! و ذلك قبل أن يوعزَ لنا بالذهاب للبيوت ، فقد أغلقت المدارس لأيام، اغتنمها الوالد لمرافقته وتعليمي فلاحة الأرض .
******** دولاب أمي – حديث أبو الجمايل ….. يتبع *********
*******************************