Views: 10
،، ابراهيم العظم ،،أيقونة سورية – هولندية إنسانية
*إعداد سعدالله بركات
في بادرة لافتة وبدلالات غنيّة عن التعبير لما فيها من سمو في القيم الوطنية والإنسانية ، ومنذ عام ١٩٤٥و إلى يومنا هذا، مازالت هولندا تذكر الطيار المظلّي السوري الدمشقي إبراهيم العظم الذي ارتقى على أرضها دفاعاً عن حرية الشعب الهولندي في مواجهة النازية وتعتبره من أبطال التحرير.
قضى العظم، قبل أن يرحل، أياماً قليلة في أعلى شمال هولندا بالقرب من الحدود الألمانية، حيث وصل إليها مع مجموعة من المقاتلين العرب والفرنسيين، إثر إنزال مظلي لقوات الحلفاء، لدعم قواتها الأخرى التي كانت تقاتل ضد الألمان.
أهملته حكو مة بلده الأم (سورية) وغيَّبته سجلاتها الرسمية، وتركته مكتوم الميلاد لفترة طويلة. أما هولندا فمنحته وساماً خاصاً بالمقاتلين الأجانب الذين شاركوا في تحرير البلاد من قبضة النازييّن. واحتفت قبل ثلاث سنوات، بمناسبة مرور خمسة وسبعين عاماً على وفاته. فأقيم له قُدّاس، وعرض فيلم قصير عنه، وغدت أيام إبراهيم العظم الهولندية المعدودة جزءاً من كتاب ألّفه جنرال شارك في الحرب العالمية الثانية، وذلك بعد الإفراج عن يوميات الجنود المشاركين بالحرب من قبل الأرشيف البريطاني الحكومي.
موجةُ اللجوء السوري الكبير إلى هولندا أعادت الحياة إلى «قبر إبراهيم العظم»، الذي يقع في المقبرة العسكرية في مدينة «كابيلا» بالقرب من الحدود البلجيكية الهولندية، إذ تحوّلَ من مساحة تضم رُفاة شخص متوفى إلى أيقونة، بالمفهوم الإيجابي، خاصة لدى الهولنديين المدافعين عن حق الهاربين من مناطق الصراع باللجوء. وبات أولئك «الإنسانيون» يُشهرون تلك الأيقونة في وجه اليمين المتطرف. وفي الوقت نفسه؛ صار القبر علامة انتماء إلى هذه البلد عند اللاجئين السوريين، سيما لدى المتقدمين في العمر الباحثين عن مسارات تخفف مشاعر الاغتراب،. وهكذا غدت سيرة الشاب إبراهيم العظم، دون أن يقصد أو يتوقع، إحدى الحالات الرمزية التي تمدّ عرى المشتركات بين اللاجئين السوريين وهذا البلد الجديد. فعلّق عدد منهم صورته في مداخل بيوتهم، وجعلوها خلفية لهواتفهم المحمولة وأخبروا عنه الإعلام، وبالغوا في الاحتفال به.
ما الذي جاء بك يا إبراهيم إلى هذه الأرض؟ تقول الكتب المعنية أن المظلي السوري كان جزءاً من «عملية آمهرست» التي نفذتها القوات الفرنسية بالتنسيق مع قوات الحلفاء كجزء من المشاهد الأخيرة في الحرب العالمية الثانية، في 7 و8 نيسان (أبريل) عام 1945 (وتسمى هنا النورماندي الهولندية).
اقتضت العملية نشر سبعمائة مظلي فرنسي في الخطوط الخلفية للألمان، من بينهم الشاب السوري إبراهيم العظم. لكن سوء الأحوال الجوية انتهى بنصفهم تقريباً على بعد عدة كيلومترات من المكان الافتراضي للهبوط. وتشير المعلومات المتعلقة بإبراهيم العظم «المستقاة من الجهات الفرنسية» إلى أنه من مواليد 7 كانون الثاني (يناير) عام 1924، وأنه توفي في 10 نيسان (أبريل) عام 1945 في درنته شمال هولندا، ودُفن في مقبرة الحرب الفرنسية في كابيلا في جنوب هولندا. وتُحدد الوثيقة موقع قبره بالضبط وجنسيته السورية (الجمهورية الأولى) وأنه كان في السرب الأول من الجيش الفرنسي، وتُثبت تلك الوثائق حصوله على الصليب البرونزي من خلال المرسوم الملكي رقم خمسة عشر وكان في رتبة مظلي طيار، وقد تميز «بسلوك شجاع ضد العدو، من خلال هبوطه بالمظلة في درنته، وشارك في القتال ببسالة مما أدى إلى مقتله في نهاية الأمر».
لم يقبل إبراهيم العظم أن يحترق في المكان الذي اختبأ فيه خوفاً، بانتظار أن يجتمع مع رفاقه الذين ضيَّعهم الضباب والطقس السيء؛ بل واجه أعداءه بالقتال حتى الموت، وفقاً لرواية الجندي الفرنسي الذي نجا من المعركة، والتي ثبّتها العقيد هارولد دي يونغ والكاتب روجر فلامند في كتابيْهما عن العملية الفرنسية في درنته: عملية آمهرست. لم يحترق كشأن الفرنسيين الآخرين الذين بقوا في المستودع، بل خرج إلى الشارع مع رفيقين آخرين، على أمل الاجتماع مع الجنود الآخرين لإتمام مقتضيات العملية العسكرية، كي لا يتضرر أصحاب البيت الذي آواهم لساعات. واجه مصيره و«استشهد»، حسناً فعل «إبراهيمنا»
وتحتفظ مؤسسة War Graves Foundation الهولندية بمُلكية قبر إبراهيم العظم وزملائه، أما سبب حرصها في المحافظة عليه (كما تقول في وثائقها) «حتى يدرك الأطفال الهولنديون أن هناك أشخاصاً من جزء مختلف تماماً من العالم، ساهموا في تحرير بلدهم، وأن على الهولنديين أن يساهموا في حرية الآخرين في كل مكان في العالم مثلما أسهم أولئك في حرية الهولنديين».
استجابة لنداء منظمة الهولندية، ورغبة مني لأقول للهولنديين: نحن هنا قبل لعنة اللجوء! أطلقتُ عبر الفيسبوك نداء أحاول التعرُّف من خلاله على عائلة إبراهيم العظم، وما هي إلا أيام حتى تواصل معي شخص يحمل الاسم ذاته وهو ابن عم إبراهيمنا الهولندي، وقد حَدثتُهُ عن مُنقذنا. وحكى لي الرجل أن والدة إبراهيم كانت تحصلُ على راتب تقاعدي من وزارة الدفاع الفرنسية. طلبتُ من الرجل أن يزوّدني بإخراج قيد لإبراهيم العظم، وفعل عن طيب خاطر.
وقد تمّ إدراج النصب التذكاري لإبراهيم العظم ورفاقه في مدينة أسن كجزء من رحلة المشي الهولندية، وكذلك المقبرة التي تضم رُفاته؛ في إطار تجديد الاحتفال بضحايا الحرب العالمية الثانية، كي يتذكر المارّون بهذه النُصُب التذكارية أن هناك من ضحى بنفسه في سبيل هولندا دون أن يكون أحد مواطنيها.
وأثناء عرض كتاب العملية الفرنسية في درنته The French Paras in Drenthe لهارولد دي يونج في الاحتفالية التي جرت قبل ثلاث سنوات بمناسبة الذكرى الخامسة والسبعون للعملية، أنشدت فرقة The Serenade Sisters أغنية قدّاس مجيد لإبراهيم العظم بعنوان Requiem Azm، وتم تقديمها على المسرح، وقد لامست تلك الأنشودة العديد من الحاضرين، لأن بعضهم كان مشاركاً في تلك العملية بشكل مباشر أو غير مباشر، إضافة إلى حضور لاجئين سوريين لم يعرفوا إبراهيم العظم مباشرة لكن جمعهم به الانتماء للبلد الأم سورية.
ومما ورد في الأنشودة/القداس الخاصة بالمظلي السوري إبراهيم العظم:
كان يوم العاشر من أبريل، يوماً ربيعياً
لم يكن يعرف أين تقع (درنته)
قاتل هنا ببساطة بناءً على رغبته
كرهَ جحيم الحرب هذا
أراد أن تكون دمشق الحرية ، ولم يكن يعرف حتى ما هي الحرية
إبراهيم العظم البطل ،كان مظلياً سورياً
الحرب جلبتك إلى هنا يا إبراهيم
السوري إبراهيم العظم: ذِكرُ اسمه علامة!
++++++++
*سعدالله بركات – بتصرّف عن صفحة الزميل الصديق الإعلامي غازي عبد الغفور – والمقال مترجم كاملا في رابط صفحته التالي
https://www.facebook.com/share/p/1CAHCdmUXp/
وأمّا النص الأصلي ، فهو متوفّر بلغات هولندية وإنكليزية وفرنسية والمانية وفي مواقع عديدة وهذه بعض روابطها
https://bevrijdingintercultureel.nl/cms/index.php/marokko/syrische-parachutist-ibrahim-azem
https://bevrijdingintercultureel.nl/cms/index.php/marokko/syrische-parachutist-ibrahim-azem
https://bevrijdingintercultureel.nl/cms/index.php/marokko/syrische-parachutist-ibrahim-azem
https://share.google/QFIHXNIIQu1K8qoIN
*********************************************************************************************************