Views: 10

والشام أحتضنها على شغاف القلب وبين الجفون ، كما احتضنتني فتى لأدرج في مرابعها على دروب علم وعمل ، بل وفتحت أمامي آفاقا من رحاب العالم واكتناز تجربة حياة من المعارف والصداقات من غير بيئة ومشرب ، كما النجاحات على ما تخللها من عرقلة وخيبات .
وأما قاسيونها ، وما يكتنز من شموخ حضارتها والتاريخ فقد تكحّلت بمرآه عيناي حين يعانق الشمس صباح مساء ،مذ جاورته عملا ثمّ سكنا ، فتنشّقت نسيمات الربوة وعذوبة بردى ، على مدى عقود وسنوات .
ونفع دمشق عميم وأثره في نفسي مقيم ، لقد احتوتني مطالع الشباب وفتحت أمامي على مصاريعها الأبواب ، لعلم وعمل ثم ماتع على مافيه من صعاب ،، .
لم أكن أحسب – ولا دولاب أمّي – أن أستقر في دمشق وقد زرت أخي مطرب صغيرا وعرّفني على جامعتها حين قال ( هذه التي ستدخلها يوما) قبل اجتيازي فيها امتحاني الإعدادية والثانوية بتفوق نسبي ، ، وقبل أن يتيح عملي فيها فرصا لمتابعة الدراسة فألج جامعتها العريقة وأغادرها بإجازتين ودبلوم ، قبل أن يتخرج منها أبناؤنا الأربعة في علوم الطب والاقتصاد والحاسوب .
في دمشق ، وبمصادفاتها الحسنى والفريدة، نفحني عشق أسعدني بشريكة عمر ورفيقة درب ومعاناة ،وبلوغنا من الطموح غايات، عززتها ووسعت آفاقها ، فلولا صدفة قادتني للعمل في مدرسة المنصور – باب توما ، لما تعرّفت على أنسباء قربى فأكون النسيب الأقرب و ألتصق بدمشق التصاقا حميميّا لأربعة عقود ، وهذا ما لم تكن تحسبه أمي، وقد عاد أغلب زملائي للتعليم في البلدة عند أهاليهم .
وحين بادر صديقي الزبداني ، لنقلي موجها في معهد ، يؤمّن السكن والطعام ، فرحت أمي كما فرح دولابها مذ باشرت بناء دارطينية حيث وجد لنفسه متسعا ،ولأمي متنفسا كما لأبي ونوله ، في غرفة مشمسة طالما تشهّياها .
كانت فاتحة مبادرات الصداقة نحوي ، وكيف أنسى مبادرة صديقي الطرطوسي العتيق ومثله من دير الزور وإدلب و درعا والسويداء والقلمون ومن..ومن …، وأحسب أني ما نكرت جميلا ، بل وبادرت بمثلها لعديد من زاملت، ولا تسألوني عمّن غدر أونكر من ذوي قربى أو صلة !
فرحت كما أمّي بما فتحت لي الشام من آفاق خبرة تعليم وإدارة أو في مهنة المتاعب ، وما أتاحت لي من فرص وصداقات سرّت بها أمي وتفاخرت، وهي تغنّي لدولابها فيسرع دورانا بلا توقّف حتى عتبة الثمانين .
كان منى العين والقلب ، التمتّع بفسحات ( صحراء ) ،،صدد،،، حيث تتناغم نواقيسها مع مآذن الجوار ، وحيث أماسي مرابع الطفولة وصباحاتها وقد حملتني من إعداداتها رياح العلم إلى حمص ، فلا أنا ارتويت يافعا ، ولا حين راحت تحتضن من جديد جيلنا الذي باعدته مسالك الحياة،لكن الأمل ما يزال وإن في ثراها.
وحين تخفّفنا من ضغط العمل ،و رحنا نستعيد تلك الأيام ، أو نتذوّق نكهة أوابد ومناشط الشام ، سرعان ما قذفتنا رياح غربة اختارتنا عبر المحيط ، وها نحن نردّد مع الشاعر الموريتاني :
=======
** من رواية دولاب أمّي
MD 15-12-2025 ** ذكرى مولد آخر العنقود
*** اللوحة بريشة الشاعر الفنان غانم عبدو الخوري



































