Views: 0
” النّصوصُ الأدبية ”
بقلم/أ.د.أحلام الحسن
الأدبُ بكافة أصنافه وتعدداته فنٌ من الفنون العالمية ، بل أرقى فن ، فلا تقوم كافة الفنون الأخرى إلّا على النّصوص الأدبية ، ولا يُطلق على أيّ نصٍ مسمى أدب ، إلاّ إذا استوفى أركانه الأساسية بجدارة .
فمتى يكون النّصُ أدبيًّا ؟
النّصوص الأدبية متفاوتة ، فلكل كاتبٍ وشاعرٍ أسلوبه ورؤاه .
أركانُ النّص الأدبي :
١-المضمون ، والتّراكيب اللغوية الجذابة :
لنجاح صيغة التّراكيب اللغوية لابدَّ من الإتقان النّحوي واللغوي ، فضلًا عن جمال العبارات وتناسقها مما يشدُّ القارئ للمتابعة .
٢- الفكرة المحورية : وهي عمود الخيمة كما يقولون لأي نصّ ٍ أدبيٍّ ، والذي لابدّ أن يتمحورَ النّصّ فيها ، فلا يشتت ذهن القارئ بأمورٍ وكلماتٍ لا دخل لها بمحور النّصّ الأدبي ، وإلاّ فقد النّصُّ كينونته كنصّ ٍ أدبيّ ٍ وخرج عن جودته .
٣- الأفكارالجانبية :
وهي من ضروريات جمالية النّصّ الأدبيّ فهي ألوان هذا النّصّ الجذابة ، وعليه يترتب انتقاء المناسب منها مع الفكرة المحورية ، لكن ليس بصورةٍ مباشرة ٍ بل بأسلوب التدرّج وقد يحتاج إلى شيءٍ من التّورية والتّأويل ، ليزدادَ في جمالية النّص .
شيءٌ من الغموض يدفع القارئ لاستكشاف ما وراء هذا الغموض ، وهذه الطّريقة ليست بالسّهلة البسيطة كما نتصورها ، بل هي ريشة هذا الكاتب وٱبداع هذا الشاعر ، ليرسمَ بها لوحته الأدبية بإتقانٍ ودقّة .
٤- الهدفُ من وراء النّص :
إنّ لكلّ نصّ ٍ أدبيٍ بعض الأهداف يسعى لتحقيقها الكاتب ، وقد يكون أحادي الهدف ، والأهداف متنوعة حسب فكرة النّصّ المحوريّة .
٥- الخيال الواسع :
وهنا نقطة الخلاف بين المدرستين ، المدرسة الأدبية الخيالية ، والمدرسة الأدبية الواقعية ، لو تتبعنا الأدب العربيّ أثناء فترة الاستعمار الفرنسي والبريطاني لوجدنا أنه يقوم على مدرسة الأدب الخيالي في أغلب الأحيان إلاّ ما ندر ، فقد قامت كتابة القصص والشعر على الخيال والخيال المفرط ! والتّأملات في جمال الطبيعة وما حوته من أشجارٍ وطيورٍ وسماءٍ وغيرها ، فكتبوا فيها إلى حدّ الإسهاب ، وتنافسوا على جمال التعبير ، فعاشوا دائرة الخيال ، ولم يخرجوا منها !!
فجاءت النّصوص الخيالية تحمل أجمل وأروع جمل التّعبير والإنشاء، وتحمل معها أهزل وأضعف الواقع ! فكان النّص مجرّد لوحةٍ فنّيةٍ طبيعيةٍ لا غير .
فتقوقعت في قوقعة الطبيعة المفرطة ، وابتعدت عن الواقع المرير الذي تعيشه الشعوب ومن رحم هذا الواقع تمخضت المدرسةُ الأدبية الواقعية ، والأدب الواقعي الذي يعاصر الحدث، ويتفاعلُ مع الحدث .
فكتبَ في معأنأة الشّعوب بدلًا من الطّيور والزهور ، وكتب في الوطن السّليب بدلًا من الأشجار والأنهار .
كتبَ في جراح الوطن وتحرره من العبودية .
كتبَ في جراح المرأة والرجل .
كتب في الطفولة الضائعة .
كتبَ في انتهاك حقوق الإنسان .
كتب في الدين والموعظة .
كتب في العاطفة والحبّ والوفاء .
كتبَ الأدبُ الواقعي كل ذلك ، ليستفيقَ النّاس من سبات أفيون اﻷدب الطبيعي والتغزل المفرط بالطبيعة والذي لا يصلح إلّا لكتب طلاب المدارس الإبتدائية ، نلاحظ أن شعراء العصر الجاهلي وما بعده ، والتي أشعارهم إلى يومنا هذا مضرب الأمثال في الجودة ، والجمال ،والعاطفة، وكلها كانت بعيدة كلّ البعد عن أدب وصف الطبيعة المفرط .
لا أقول برفضه لكن بمحدوديته ، واقتصاره على القصص والشعر العاطفي بصورةٍ نسبيةٍ فقط ، فكرة النصوص المبالغة في جمال الطبيعة يجب أن لا تتعدى مرحلة الطفولة ،إلاّ إذا كان بها تمجيدٌ إلهي هنا تخرج عن كونها نصًا إنشائيا فقط .
٦- العاطفةُ و الإحساس :
للعاطفة والإحساس دورهما الذي لا يستهان به لما لهما من الأهمية لنجاح النّص الأدبي ، مما لهما من أهميةٍ كبرى في عملية إحداث التّأثير لدى المُتأثر به والمتلقي .
٧- العنوان :
يتصدر العنوان أي نصّ ٍ أدبيٍ ، ويُولدُ إحساسًا لدى القارئ بمحتوى الكتاب أو النّص ، فهو ركنٌ أساسيٌ لا يُستغنى عنه ، ويعتمد العنوان على طريقتين :
أولًا : اختيار العنوان البارز والموحي بمحتوى الكتاب أو النّص .
ثانيً : عنوانًا يحمل التّأويل والتّورية يُحرّكُ لدى القارئ حبَّ الاستطلاع والبحث والتّغلغل في القصيدة أو النّصّ أو الكتاب للتوصل إلى سرّ تأويل أو تورية هذا العنوان .
٧- الفئةُ المُستهدفةُ من النّصّ الأدبي :
ليس هناك من كاتب ٍ يكتبُ عبثًا ، لابدّ من فئةٍ مستهدفة ٍ، أو فردٍ مُستهدف، وكلما اتسعت دائرة الإستهداف كلما كان النّصُّ أقوى و أطول عمرًا للأجيال القادمة ، أمّا مجرد الكتابة الخالية من الرؤى المستقبلية ومن الهدفية تكون كتابة لا جدوى فيها .
ا====================
المصدر : كتاب السبيل إلى بحور الخليل ” كيف أعدّ نفسي لكتابة الشعر ” أ.د. أحلام الحسن
Discussion about this post